في العقود الأخيرة، أثبتت الصين نفسها كقوة اقتصادية وعلمية لا يستهان بها، لتصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم، خلف الولايات المتحدة الأمريكية. لكن ما يقلق واشنطن ليس فقط حجم النمو الاقتصادي الصيني، بل أيضًا التقدم المذهل الذي حققته الصين في المجالات العلمية والتكنولوجية، مما جعلها تهدد مكانتها الهيمنية في العديد من الصناعات والقطاعات الاستراتيجية.
الهيمنة الاقتصادية الصينية:
على الصعيد الاقتصادي، لم يعد بإمكان الولايات المتحدة تجاهل القوة المتزايدة للصين. استثمار الصين في مشروعات ضخمة مثل “مبادرة الحزام والطريق” قد جعلها قوة مؤثرة في العديد من الدول حول العالم، من خلال توفير البنية التحتية والتمويل للمشاريع التنموية. لكن هذه المبادرة ليست مجرد خطوة اقتصادية، بل هي جزء من استراتيجية طويلة المدى تهدف إلى تعزيز النفوذ السياسي والتجاري للصين على الساحة الدولية.
بالإضافة إلى ذلك، باتت الصين رائدة في العديد من الصناعات، من الإلكترونيات إلى الطاقة المتجددة، مما يعزز قدرتها على تحدي هيمنة الشركات الغربية على أسواق العالم. وبفضل استثماراتها الضخمة في البحوث والتطوير، أصبحت الصين الآن قادرة على تطوير تكنولوجيا متقدمة تضاهي أو حتى تتفوق على منافسيها التقليديين.
التقدم العلمي والتكنولوجي:
لكن الأبعاد الأكثر إثارة للقلق بالنسبة لواشنطن هي التطورات العلمية والتكنولوجية التي حققتها الصين في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والفضاء، والاتصالات. في السنوات الأخيرة، أطلقت الصين مشروعات علمية وطموحة، منها تطوير شبكة 5G وسباقها للوصول إلى القمر والمريخ، بالإضافة إلى تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المجالات العسكرية والمدنية.
في قطاع الذكاء الاصطناعي، على سبيل المثال، تسعى الصين لأن تصبح الرائدة عالميًا بحلول عام 2030، مستفيدة من موارد ضخمة في الأبحاث والاستثمارات في الشركات الناشئة. هذا التقدم يضع الولايات المتحدة في موقف حرج، إذ تجد نفسها مضطرة لمواكبة هذه التطورات، أو المخاطرة بفقدان التفوق التكنولوجي الذي كانت تحظى به.
القلق الأمريكي:
الولايات المتحدة، التي لطالما كانت القوة المهيمنة في الاقتصاد العالمي، بدأت تشعر بضغط متزايد من الصين، ليس فقط على الصعيد التجاري، ولكن أيضًا على الصعيد العلمي. فقد أظهرت الصين قدرة هائلة على تبني التقنيات الحديثة وتسخيرها لأغراض عسكرية وتجارية، وهو ما يجعلها تهديدًا مباشراً لهيمنة واشنطن على النظام العالمي القائم.
في ظل هذه التحديات، حاولت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن اتخاذ تدابير مختلفة لمواجهة القوة الصينية المتزايدة. من بين هذه التدابير، فرض عقوبات على الشركات الصينية في مجالات تكنولوجية حساسة، إضافة إلى زيادة الاستثمارات في الأبحاث العلمية الأمريكية لمنافسة التقدم الصيني. كما يعكس القلق الأمريكي تصريحات مسؤولي الأمن القومي الذين يرون في الصين تهديدًا طويل المدى للأمن القومي الأمريكي.
كما أن سياسات ترامب الاقتصادية تجاه الصين ستعيد الصراع التجاري إلى الواجهة بقوة، مع تركيزه على فرض الرسوم الجمركية الكبيرة للحد من الهيمنة الصينية. هذا يعكس حقيقة أن التوتر الاقتصادي بين واشنطن وبكين ليس مجرد خلاف عابر بين إدارتين أميركيتين، بل هو جزء من صراع طويل الأمد على النفوذ العالمي.
السؤال الآن: هل ستنجح هذه الإجراءات في كبح التقدم الصيني، أم أن بكين ستتكيف مع هذه الضغوط وتواصل توسعها؟ وهل ستحاول واشنطن بناء تحالفات اقتصادية لمواجهة الصين، أم أن السياسة الحمائية ستؤثر سلبًا على الاقتصاد الأميركي نفسه؟
مع استمرار الصين في تعزيز قوتها الاقتصادية والعلمية، فإن المنافسة بين الولايات المتحدة والصين ستظل على رأس أولويات السياسة الدولية في السنوات القادمة. يبدو أن الصراع بين القوتين لن يكون مقتصرًا على المعارك التجارية فقط، بل سيمتد إلى مجالات التكنولوجيا والعلوم، ما يجعل واشنطن في سباق محموم للحفاظ على تفوقها. بينما يواصل التنين الصيني تأكيد نفسه كأحد اللاعبين الرئيسيين في المشهد العالمي، فإن السؤال الذي يطرحه الجميع هو: هل ستظل الولايات المتحدة قادرة على الحفاظ على هيمنتها، أم أن الصين ستنجح في تشكيل النظام العالمي الجديد؟