الوالد عبد الرحمن أبو سعدية… ولد المُعزّى بعضُه

1

مشاري الذايدي

مشاري الذايدي

صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».

«عبد الرحمن بن أحمد أبو سعدية»، والد من السعودية فقد ابنه الشاب «محمد»، الذي رحل عن الدنيا وهو في ربيعه الـ17، أثار مشاعر الناس بعد رسالته التي بعث بها إلى مدرسة ابنه لتفسير سبب غياب «الطالب» محمد عن الحضور.

كتب الوالد لمدرسة ابنه الثانوية بمركز قنا، غرب عسير، جنوب السعودية: «المكرّمون؛ مدير ثانوية حكيم بن حزام بقنا، أعضاء هيئة التدريس بالمدرسة الموقرون… تحية طيبة ملؤها المحبة والاحترام، أفيدكم بأن ابني وحبيبي الطالب محمد عبد الرحمن أحمد غاب عن الدنيا بأسرها، والتحق بالرفيق الأعلى… أرحم الراحمين، وكم كنت أتمنّى لو أنه نائم على سريره كي أوقظه وأجبره للذهاب إلى المدرسة كما كنت أفعل، وأنا مثلكم ما زلت أراه حياً». وأضاف: «سلّموا لي على زملائه وأساتذته، سلّموا لي على كرسيه وطاولته، سلّموا لي على جدران مدرسته وعلى زوايا مكانه واقبلوا عذره وتقصيره».

من أصدق وأصعب ألوان الشعر، شعر الرثاء، ومن أصعبه وأصدقه رثاء الأولاد، وقد حفظ لنا ديوان الشعر العربي مقطوعات تقطر أسى وتنزُّ بالألم، وتندى بالعبَرات.

الشاعر العبّاسي الشهير «ابن الرومي» الشهير بهجائياته المؤذية والمبدعة، رثى ابنه الأوسط، فقال:

توخّى حِمامُ الموت أوسط صبيتي – فلله كيف اختار واسطة العِقد؟!

فيا لكِ من نفسٍ تساقطُ أنفساً – تساقطَ درٍّ من نظام بلا عَقد.

غير أن أكثر مراثي الأبناء خلوداً وحيوية وأسى، تشعر به وأنت تقرأ هذه المرثية العجيبة، بنفس نداوة حزنها الأول، هي مرثية الشاعر الخطير «أبي الحسن التهامي» توفي 416 هجرياً، وهو صاحب سيرة مثيرة، في ابنه الصغير الذي لم يبلغ مبلغ الرجال ولا الشباب.

قال «الوالد» أبو الحسن التهامي:

فَكَأَنَّ قَلبي قبره وَكَأَنَّهُ – في طَيِّهِ سِرٌّ مِنَ الأَسرارِ

ولدُ المُعَزّى بَعضه فَإِذا مَضى – بَعضُ الفتى فَالكُلُّ في الآثارِ

أَبكيهِ ثُمَّ أَقولُ مُعتَذِراً لَهُ – وُفِّقتَ حينَ تَرَكتَ أَلْأمَ دارِ

جاوَرتُ أَعدائي وَجاوَرَ رَبَّهُ – شَتّان بَينَ جِوارِهِ وَجِواري.

يا الله… كأني أشعر بفقد التهامي الآن، وكم أرغب أن أذهب له اليوم وأشاطره مشاعر الفقد وأعانقه وأقدم له كلمات التعزية… وأنا في عام 1445 هجرياً!

أما في وقتنا المعاصر، وشعرنا المعاصر، فلعلّ مرثية شاعر العصر «نزار قبّاني» لابنه توفيق تأتي ساطعة في حزنها:

أواجه موتك وحدي

وأجمع كل ثيابك وحدي

وألثم قمصانك العاطرات

ورسمك فوق جواز السفر

وأصرخ مثل المجانين وحدي

وكل الوجوه أمامي نحاس

وكل العيون أمامي حجر

فكيف أقاوم سيف الزمان؟

وسيفي انكسر…

وفي خبر التاريخ السعودي، يخبرنا المؤرخون أن الملك عبد العزيز، باني المملكة العربية السعودية الجديدة، كان رغم عِظم المسؤوليات الهائلة على كاهله، حتى رحيله عن دنيانا – رحمة الله عليه – في عام 1953، إذا ذكر ابنه البِكر «تركي»، وبه كان يُكنى، الذي توفّي بمرض الحمّى الإسبانية سنة 1919، كان يتأثر سريعاً وعميقاً حتى بعد الرحيل بعقودٍ من الزمن.

نعم… ولد المُعزّى بعضُهُ.

التعليقات معطلة.