حسين رشيد
1
الأحلام كما براعم الشجر، تنمو مع كل جيل منها ما يُورد ويُزهر، وآخر يخبو ويموت ، وهناك من يبقى بين الحياة والموت بين ان يزهر ويتحول الى ثمرة أو تصفر وتسقط كما أوراق الشجر في الخريف، الذي يفتقده العراقي في جل مدنه ليس بسبب الطقس فقط وانحسار فصل الخريف أسابيع معدودة بل لأن شوارع مدن البلاد تفتقد ظلال الأشجار الكبيرة، وإن كانت موجودة في فترة ما، فهي كما حدث للكثير من الأشياء الجميلة في الزمن الماضي .
حلم العراقيون بعراق جديد خالٍ من الزيتوني وكتابة التقارير الحزبية، والسجون السرية، والاعتقال التعسفي، وأحواض التيزاب، والمقابر الجماعية أشبه بزهرة كلما قرب موعد تحولها لثمرة تصفر وتسقط ونعاود الانتظار لزهرة جديدة عسى أن تثمر وينضج ثمرها ويتساقط على الناس كما تساقط رطباً جنيا لا كما يتساقط الآن الناس بعمليات القتل والاغتيال.
2
كنا نحلم بمؤسسات دولة تؤدي عملها المناط بها دون تأخير أو رقابة أو تلكؤ، مؤسسات تعمل وفق الالتزام الوظيفي والاخلاقي والمهني، بمسؤولين يتحلون بالنزاهة والكفاءة والامانة، وكادر وظيفي خاضع لشروط العمل وقانون الخدمة المدنية النافذ، كادر وظيفي يحرص على إتمام عمله في الوقت دون تأجيل أو تعطيل أو إجبار المواطن لدفع الرشى والهدايا، كادر وظيفي يضع أمامه راحة المواطن دون أن يتعذر بأي عذر وحجة أو يترك كرسيه ويقضي بقية وقت الدوام لاتمام صلاة الظهر في مصلى الدائرة الذي يكاد لاتخلو أي دائرة أو مؤسسة منه.
كنا نحلم بمسؤولين يمتلكون القدرة والكفاءة على إدارة تلك المؤسسات والوزارات والدوائر المرتبطة، يحترمون المنصب الذي من خلاله يحترمون عملهم ويقدمون الجهد اللازم، مسؤولون لايكذبون على الشعب في وسائل الإعلام ويتباهون بمنجزات وهمية ، ينقفون على تليمعها عشرات آلاف من الدولارات بطبع كتب وكراريس سنوية تظهر منجزاتهم حسبما يدعون، دون أن يعوا أنها واجبات عليهم تنفيذها وليست منجزات، فالمنجز ما يكون خارج التوقعات والخطط المرسومة للعمل .
3
مؤسسات يحرص فيها الكادر الوسطي من مدراء الدوائر والأقسام والشعب على تبني روحية العمل المشترك بينهم وبين زملائهم الموظفين، كادر خاضع لشروط التعيين والاستحقاق بنيل الدرجة الوظيفية والمنصب وفق قانون الخدمة المدنية، كادر يدخل دورات تطويرية وتحفيزية في فن الإدارة والتعامل الوظيفي مع المواطن والزميل في العمل.
كنا نأمل بمؤسسات وطنية وليست كابينة حزبية تخضع لسياسة الحزب الذي رشح المسؤول، والذي حولها الى إقطاعية للحزب وتوجه معين، لكن للأسف كل ذلك وغيره ذهب أدارج الرياح وحل ما يخالفه ويعاكسه بشكل تام، فكل ما لدينا مؤسسات لا تؤتمن على كرامة المواطن في أغلبها والتي يعمل الكثير من مسؤوليها على محاولات إذلال الموظفين بشتى الطرق ومضايقات الموظفات أما المطلقة أو الارملة منهن فتلك لها حكايا أخرى.
كنا نأمل بمؤسسات تحترم الإعلام وتعامله كسلطة رقابية تستفيد منها لا أن تقوم بمضايقتها وتهديدها بشكوى، بمكاتب إعلامية مهنية يديرها كادر مهني وليس مدراء إعلام لايفقهون أصول الاعلام جل ما يجيدونه التملق والتزلف للمسؤول وسرقة مقالات من هنا وهناك ونشرها بإسم مدير المؤسسة في أي مطبوع يصدر عنها.
4
(نريد وطن) هذه الشعار المزلزل الذي صمّ أذن الساسة واللصوص ممن سرقوا الحلم وأرادو سرقة الوطن والبلاد وأحلام شباب جيل ما بعد 2003 الذين اصطف معهم كل العراق بشرائحه وطبقاته الاجتماعية إذ لم تقتصر التظاهرات على فئة دون غيرها، بإستثناء أولئك الذين يعيشون وهم السلطة في الاحزاب ومؤسسات الدولة ممن استحوذوا على استحقاقات غيرهم فتجدهم يتشابهون بالموقف من التظاهرات ومضايقة الموظفين الذي شاركوا فيها أو من أيدها ودافع عنها بل إن البعض منهم تعرض لعقوبات إدارية.
اليوم على حكومة السيد الكاظمي إعادة النظر بكل الدرجات الوظيفية من مدراء الدوائر والاقسام ومسؤولي الشعب وأن تكون ضمن السياق الإداري وقانون الخدمة المدنية النافذ، وإرساء العمل بالتعليمات والاستحقاقات لشغل أي منصب إداري كي ترسى معه الكثير من الأشياء العائمة في الفوضى والمحسوبية والحزبية لسد الطريق على المتملقين والمتلونين ومساحي أكتاف المسؤولين.
نريد وطن … يُحترم فيه الإنسان ويوفر حياة مستقرة للمواطن، لا أن يجبر في البحث عن وطن بديل حين تسد كل الطرق بوجه بأحجار اللصوص والمزورين والمرتشين والمتحالفين ضد الوطن والمواطن.
نريد وطن نحيا له ونعلو به … لا وطن نموت من أجله كي يتسيده القتلة واللصوص