الوفد العراقي برئاسة فخري كريم يطرح رؤى تجديدية حول مفهوم التضامن الأممي في زمن العولمة والفوضى

3

في المؤتمر العام الثاني عشر لمنظمة تضامن الشعوب الإفريقية الآسيوية
• دعوة المنظمات الإفريقية والآسيوية إلى عقد مؤتمرها القادم في العراق
 القاهرة – المدى
شارك الوفد العراقي برئاسة الأستاذ فخري كريم، رئيس مجلس السلم والتضامن العراقي، في أعمال المؤتمر العام الثاني عشر لمنظمة تضامن الشعوب الإفريقية الآسيوية، الذي انعقد في العاصمة المصرية القاهرة تحت شعار “ميلاد جديد”. جاءت مشاركة الوفد العراقي في سياق تاريخي جديد تتطلب فيه التحديات العالمية إعادة إحياء روح التضامن الأممي التي شكلت المنظمة أحد أبرز رموزها منذ منتصف القرن العشرين. وقد تمّيز الوفد العراقي بنشاط مكثف وفاعلية تنظيمية وفكرية وثقافية واضحة على مدار جلسات المؤتمر ولقاءاته الجانبية.
ترأس الوفد العراقي الأستاذ فخري كريم، رئيس مجلس السلم والتضامن العراقي، وضم الوفد د. أحمد علي إبراهيم، سكرتير المجلس، د. محمد إحسان، القاضي هادي عزيز، د. عامر حسن فياض، د. جاسم الحلفي.
شكلت هذه التشكيلة مزيجاً من الخبرة السياسية والحقوقية والفكرية والثقافية والاكاديمية والاعلامية، ما منح الوفد حضوراً نوعياً في النقاشات التنظيمية والفكرية داخل المؤتمر.
أظهر الوفد العراقي فاعلية تنظيمية من خلال مشاركته المتميزة في المؤتمر واتصالاته المكثفة مع الوفود العربية والإفريقية والآسيوية المشاركة. وقد أشاد الحاضرون بحيوية الأداء العراقي وبما قدمه من أفكار عملية لتطوير أداء المنظمة وآلياتها، مؤكدين ثقتهم بدوره في إعادة الزخم إلى حركة التضامن الدولي. قدّم الوفد العراقي، عبر اتصالاته المكثفة، رؤى فكرية معمقة حول طبيعة التحولات التي يشهدها النظام الدولي الراهن، مركزاً على قضايا العدالة والإنصاف والسلم.
وأشار الأستاذ فخري كريم في لقاءاته إلى أن العدالة لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال قدرة الشعوب على تحقيق مصيرها وصون مواردها الوطنية، داعيا إلى نظام عالمي جديد يقوم على العدل والمساواة والاحترام المتبادل وينبذ الهيمنة وفرض الإرادات.
كما شدد الوفد على ضرورة تجديد آليات العمل والخطاب التضامني بما ينسجم مع التطورات التكنولوجية والتنظيمية الحديثة، مؤكدًا أن فاعلية المنظمات لا تقاس بتاريخها فقط، بل بقدرتها على مواكبة المتغيرات العالمية.
قدم الوفد العراقي في المؤتمر موقفاً صريحاً وحازماً إزاء القضية الفلسطينية، بوصفها قضية تحرر وطني، وقضية مركزية في ضمير الإنسانية، ومقياساً أخلاقياً لعدالة النظام الدولي المعاصر. مؤكداً أن ما يتعرض له الشعب الفلسطيني اليوم، في غزة والضفة الغربية، هو حرب إبادة ممنهجة تمارسها آلة الاحتلال الإسرائيلي تحت غطاء الصمت الدولي، وتواطؤ القوى الكبرى، وانحراف مفاهيم القانون الإنساني عن مقاصده الأصلية.
أشار الوفد إلى أن ما يجري في فلسطين يُنهي تماماً الأسطورة التي روجت لها الصهيونية السياسية منذ منتصف القرن الماضي، حين جعلت من مأساة “الهولوكوست” ذريعةً لتبرير القتل والتهجير والاحتلال. فالمفارقة المأساوية اليوم أن من ادّعى أنه ضحية الإبادة قد تحول إلى ممارسٍ لها، وأن ما يجري في غزة والضفة الغربية من تدمير شامل وجرائم ضد المدنيين هو هولوكوست جديد يرتكب بحق الفلسطينيين على مرأى العالم.
وبَيّن الوفد العراقي أن العدالة الحقيقية لا تتجزأ، وأن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس حجر الزاوية لأي سلامٍ عادل في المنطقة.
ودعا المجتمع الدولي إلى التخلي عن ازدواجية المعايير، والاعتراف بأن صمت العالم على هذه الإبادة يمثل تواطؤاً أخلاقياً وإنسانياً لا يقل فداحة عن الجريمة ذاتها.
كما أشاد الوفد بحركة التضامن العالمية التي اجتاحت شوارع العواصم الأوروبية والأمريكية، وفضحت زيف الخطاب الصهيوني الذي يخلط بين معاداة السامية ورفض الاحتلال. وأوضح أن تلك الموجة الواسعة من الاحتجاجات تمثل عودة الضمير الإنساني إلى الواجهة، وتؤكد أن الشعوب، لا الحكومات، هي التي تصنع المواقف الأخلاقية الحقيقية في هذا العصر.
كما عبر الوفد عن تضامنه مع الشعوب المبتلاة بالحروب والجوع والاستغلال، داعياً إلى إنهاء الهيمنة النيوليبرالية التي حولت العالم إلى فضاء تتحكم فيه أقلية مالية واقتصادية ضيقة تستحوذ على الثروات والأمن الإنساني.
في الجانب الفكري، شكل الحضور العراقي جسراً بين الإرث التاريخي للمنظمة وتحديات الحاضر، إذ طرح رؤى تجديدية حول مفهوم التضامن الأممي في زمن العولمة النيوليبرالية والاضطراب الجيوسياسي في عالم مضطرب بالفوضى ومسكون بالتفاهة.
تناول الوفد العراقي في مداخلاته ومناقشاته موقفاً نقدياً من العولمة النيوليبرالية المتوحشة التي هيمنت خلال العقود الأخيرة على الاقتصاد والسياسة والثقافة في العالم، وحولت العلاقات الدولية إلى منظومة غير متكافئة يتحكم فيها رأس المال العابر للحدود والشركات الاحتكارية الكبرى على حساب مصالح الشعوب وحقها في التنمية والسيادة. واتساع الفجوة بين الشمال والجنوب، وتعميق التبعية الاقتصادية والسياسية للدول النامية، وتجريد الإنسان من قيم العمل والإنتاج الجماعي لحساب منطق السوق والمضاربة. لقد تحولت مفاهيم “الحرية الاقتصادية” و”الخصخصة” إلى أدوات للهيمنة وإعادة إنتاج الفقر، فيما أُعيد تعريف العدالة بمعايير الربح والخسارة لا بمعايير الكرامة والحقوق.
انطلق الموقف العراقي من قناعة راسخة بأن السلام لا يمكن أن يقوم في ظل نظام اقتصادي عالمي غير عادل، وأن مقاومة النيوليبرالية لا تعني الانغلاق بل استعادة السيادة الاقتصادية والثقافية للشعوب. ودعا الوفد إلى بناء عولمة بديلة إنسانية الطابع، تقوم على تبادل المنافع والاحترام المتبادل، وتضع التنمية المستدامة في خدمة الإنسان لا رأس المال. كما شدد الوفد على أن الشعوب التي عانت من الحروب والاحتلال والاستغلال، ومنها الشعب العراقي، تدرك تماماً أن الخلاص لا يتحقق بالشعارات، بل بإنشاء نظام عالمي جديد يوازن بين الحرية والمسؤولية، وبين السوق والعدالة، وبين النمو والكرامة الإنسانية.
قدم رئيس الوفد الأستاذ فخري كريم مبادرةً دعا فيها المنظمات الإفريقية والآسيوية إلى عقد مؤتمرها القادم في العراق، مشدداً على استعداد العراقيين لاستضافة هذا الحدث التضامني المهم. وقد لاقت المبادرة ترحيباً واسعاً من الوفود المشاركة التي اعتبرتها دلالة على ثقة المجتمع الدولي بقدرة العراق على تنظيم مؤتمر عالمي يعزز ثقافة السلام والتضامن بين الشعوب.
وقد أجرى الوفد اتصالات إعلامية وثقافية موسّعة لتعزيز حضور المنظمة في الرأي العام، مؤكداً أن النضال من أجل السلام لا ينفصل عن الدفاع عن العدالة الاجتماعية وكرامة الإنسان. وعبر الوفد عن رؤية حضارية شاملة تعد السلام قيمة ثقافية قبل أن يكون مطلباً سياسياً، وركز على البعد الإنساني في النضال ضد الاستعمار والتمييز، مؤكداً أن الحروب لا تُحسم بالسلاح.
مثل حضور العراق في المؤتمر العام الثاني عشر علامة فارقة في مسيرة المنظمة، من حيث الفاعلية الفكرية والتنظيمية والرمزية السياسية. فقد أعاد الوفد العراقي التأكيد على أن السلام لا يمكن أن يقوم إلا على العدالة، وأن التضامن الأممي هو الطريق إلى عالم متوازن ومنصف.

التعليقات معطلة.