الولايات المتحدة: الأكثر خرقاً للقانون الدولي من بين دول العالم

12

 

 

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، قدمت الولايات المتحدة نفسها كراعية للقانون الدولي ومدافعة عن قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان. إلا أن الواقع العملي يكشف أن واشنطن كانت، ولا تزال، من أكثر الدول انتهاكاً لهذا القانون، سواء عبر التدخلات العسكرية المباشرة أو عبر دعم الأنظمة والجماعات الخارجة على القانون، أو من خلال فرض إجراءات أحادية الجانب خارجة عن مظلة الشرعية الدولية.

حرب بغطاء القانون… وانتهاك له

في عام 2003، غزت الولايات المتحدة العراق من دون تفويض من مجلس الأمن الدولي، مستندة إلى ذرائع ثبت لاحقاً بطلانها، كامتلاك بغداد أسلحة دمار شامل. هذا الغزو شكّل مثالاً صارخاً على انتهاك سيادة دولة مستقلة، وهو ما وصفه الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة كوفي عنان بأنه “غير قانوني”، ومخالف لميثاق الأمم المتحدة. لقد أدى ذلك الغزو إلى مقتل مئات الآلاف، وتدمير بنى دولة، وزرع الفوضى التي لا تزال آثارها ماثلة حتى اليوم.

العقوبات الأحادية والهيمنة الاقتصادية

تفرض واشنطن عقوبات اقتصادية على عشرات الدول، من دون الرجوع إلى الأمم المتحدة، متجاوزة القانون الدولي ومبدأ السيادة. هذه العقوبات لا تستهدف فقط الأنظمة، بل تصيب الشعوب في غذائها ودوائها واقتصادها، كما في حالة إيران وفنزويلا وكوبا وسوريا. الولايات المتحدة توظف قوتها الاقتصادية والمؤسسات المالية الدولية لفرض سياسات تخدم مصالحها على حساب القانون الدولي وحقوق الإنسان.

حماية الحلفاء وتجاهل الجرائم

تنتهك الولايات المتحدة القانون الدولي أيضاً عبر ازدواجية المعايير، خصوصاً في دعمها غير المشروط لإسرائيل، رغم خروقاتها المستمرة للقانون الدولي، من احتلال أراضٍ، وضم غير شرعي، وحصار المدنيين، واستهداف البنى التحتية في غزة، وقتل الصحفيين. في كل مرة يصدر فيها قرار أممي يدين إسرائيل، تستخدم واشنطن الفيتو لإفشاله، بما يكرّس سابقة خطيرة في تقويض النظام الدولي.

الطائرات المُسيّرة و”القتل المبرمج”

من باكستان إلى اليمن وأفغانستان والصومال، نفذت الولايات المتحدة مئات الضربات الجوية بواسطة الطائرات المسيّرة، خارج أي إطار قضائي، وقتلت آلاف المدنيين، من دون محاكمة أو مساءلة. هذا السلوك يمثل انتهاكاً لمبدأ المحاكمة العادلة والقانون الدولي الإنساني، ويكرّس نهج “القتل الاستباقي” كأداة سياسة، خارج عن أي رقابة دولية.

أمريكا… فوق القانون؟

الأمثلة على الانتهاكات الأميركية كثيرة، تبدأ من سجن “غوانتنامو” سيئ الصيت، حيث يُحتجز معتقلون من دون محاكمة، ولا تنتهي عند دعم انقلابات عسكرية أو تغذية الحروب بالوكالة. في كل هذه الحالات، لم تخضع الولايات المتحدة لأي محاسبة حقيقية، ما يطرح سؤالاً جوهرياً: هل القانون الدولي يُطبّق فقط على الدول الضعيفة؟ وهل أمريكا دولة “استثنائية” يحق لها أن تفعل ما لا يُسمح لغيرها به؟

 

إذا كان القانون الدولي هو المعيار الذي يُقاس به سلوك الدول، فإن الولايات المتحدة قد تكون أكثر من قوضه عبر العقود الماضية. ومما يزيد من خطورة ذلك، أنها تمارس هذه الانتهاكات باسم “حماية النظام الدولي”، ما يحوّل هذا النظام إلى أداة هيمنة، لا إلى مرجعية عادلة .

 

العالم الان بين قانون عاجز وقوة لا تُحاسب

في عالم يفترض أنه محكوم بقانون دولي ومبادئ أممية، تقف الولايات المتحدة باعتبارها القوة الأعظم التي ترفض أن تُساءَل، وتُصرّ على ممارسة سلوكها بمنطق الاستثناء، لا بمنطق القانون. لقد حولت واشنطن الشرعية الدولية إلى أداة انتقائية، تُفعّلها عندما تخدم مصالحها، وتعطلها حين تهدد نفوذها أو تحاسب حلفاءها.

إن خطورة هذا السلوك لا تكمن فقط في حجم الانتهاكات، بل في رسائلها الصامتة إلى بقية العالم: أن القوة تسبق القانون، وأن المحاسبة لا تطال من يمتلك أدوات الهيمنة. هذه الرسائل لا تضعف الثقة بالنظام الدولي فحسب، بل تدفع نحو فوضى عالمية تتآكل فيها القواعد، ويصبح القانون خياراً لا التزاماً.

لقد آن الأوان أن يُعاد التفكير في بنية النظام الدولي، وأن يُسأل الكبار – قبل الصغار – عن التزامهم بالقواعد التي صاغوها. فإما أن يكون القانون الدولي مرجعيةً للجميع، أو يتحول إلى وهمٍ يُستخدم لتبرير مزيد من الظلم تحت شعار الشرعية .

التعليقات معطلة.