محمد بن سعيد الفطيسي
في وقت كان فيه من المفترض ان تتجه العلاقات الروسية – الأوروبية نحو مزيد من التقارب والتحسن والمكاسب المشتركة، خصوصا لأوروبا بسبب العمق الاستراتيجي المتبادل بينهما، حيث (تشكل روسيا باعتبارها دولة أوروبية عملاقة عمقا استراتيجيا مهما بالنسبة للاتحاد الأوروبي. هذا الأخير يستمد قوته منها إذا أراد حقيقة أن يتحول إلى قطب مؤثر في العلاقات الدولية، له وزنه السياسي وتأثيره الاقتصادي ومظلته الأمنية، بعيدا عن السياسات الأميركية المهيمنة ذات النزعة الأحادية التي طبعت السياسة الأميركية في العالم، خاصة بعد زوال الاتحاد السوفييتي سابقا).
إلا ان الملاحظ – مع الأسف الشديد- على تلك العلاقة انها تتجه إلى مزيد من التدهور والمواجهة بسبب العديد من التجاذبات السياسية والأمنية، سواء أكان ذلك بسبب اختلاف وجهات النظر بينهما حول قضايا تتعلق بالمحيط الأوروبي كما هو الحال مع المسالة الأوكرانية – الروسية حول الاشتباك في بحر ازوف، واستمرار الاتحاد الأوروبي بتمديد العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا بسبب ذلك النزاع، أو بسبب اختلاف المصالح الداخلية ووجهات النظر السياسية والأمنية بين دول الاتحاد الأوروبي نفسها حول قضايا داخلية أو دولية كما هو الحال حيال الملف التركي والسوري مع روسيا، أو كان ذلك بسبب الضغوط الاميريكة على الدول الأوروبية، والتي تقودها نحو مزيد من الخلافات والتجاذبات.
وهذه النقطة الأخيرة ربما تكون الأكثر أهمية ووضوح حيال تلك العلاقة بين الدول الأوروبية وروسيا، وهو امر بالطبع يصب في صالح الولايات المتحدة الأميركية التي تتجه بدورها إلى مزيد من التباعد والخلافات مع الدولة الروسية بسبب قضايا جيوسياسية وأمنية عميقة كان آخرها التهديد بالانسحاب من معاهدة الاسلحة القصيرة والمتوسطة بين روسيا واميركا. في وقت تعتمد فيه أوروبا على المظلة النووية الأميركية من الناحية الاستراتيجية، والتي عمقت بدورها الخلافات الأوروبية – الروسية بسبب ذلك الارتهان الأوروبي للحليف الأميركي وعدم قدرة العديد من الدول الاوروبية على الاستقلال في قراراتها العسكرية والامنية عن الولايات المتحدة التي تستغل هذا الارتهان افضل استغلال في الضغط على روسيا.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أعلن سابقا أن الولايات المتحدة الأميركية ستنسحب من معاهدة الصواريخ القصيرة والمتوسطة و(ستعزز ترسانتها النووية حتى تعود باقي الدول “إلى وعيها”، متهما روسيا إلى جانب الصين بتطوير صواريخها النووية)، الأمر الذي انعكس بدوره نفسيا على العلاقات الأوروبية الروسية من خلال اتساع مساحة الخوف والرهاب الأوروبي من القوة والطموحات الروسية التي تخشى أوروبا سيطرتها، وبالفعل نجحت تلك الضغوط اعلاميا ونفسيا، وهو ما يظهر عبر تأكيد دول أوروبا القوية منها حيال تلك المخاوف اعلاميا، والتي كان أبرزها تصريحات رئيس الاركان البريطاني مارك كارلتون سميث تجاه روسيا في تصريحات لصحيفة “تلغراف” البريطانية.
حيث صرح هذا الأخير ان (الخطر الروسي على أمن أوروبا “يفوق خطر التنظيمات المتطرفة مثل داعش والقاعدة”. وقال سميث إن على لندن تطوير آلياتها الدفاعية، ضد الحرب غير التقليدية التي تشنها موسكو على الغرب بصفة عامة، والقارة الأوروبية على وجه الخصوص. وحذر رئيس الأركان الذي تولى هذا المنصب الحساس قبل 5 أشهر، من الخطر الروسي على الأمن البريطاني والدول الحليفة).
ويعترف الطرفان الروسي والأوروبي باتساع هوة الخلافات بينهما وهذا ما اكده وزير الخارجية الروسي لافروف نقلا عن كالة أنباء “نوفوستي” قائلا ان (العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي فى الوقت الحالي ليست فى صيغتها الأفضل، فزيادة الرهاب من روسيا داخل الاتحاد الأوروبى مستوحاة من تلميحات من وراء المحيط، والتي تستمر بقوة بفرض اعتبار روسيا مصدرا للتحديات الاستراتيجية”. وأضاف: “نأسف لأن بروكسل لا تملك استقلالية كافية، حيث تعهدوا بوضع العقوبات المناهضة لروسيا بناء على أوامر من واشنطن، وتابع، إلى أى مدى الأوروبيون بحاجة لهذا الوضع، فليقرروا بأنفسهم؟!).