مقالات

اليمن إلى أين؟ والعبرة في لبنان

 
بقلم : سركيس أبوزيد
 
يعود المشهد اليمني ليتصدر الحدث بعد أحداث دراماتيكية حصلت مؤخراً، فالتطورات الداخلية في اليمن، وتحديدا في العاصمة صنعاء، تستحوذ على اهتمام استثنائي. فمنذ أن قام الرئيس السابق علي عبدلله صالح “بحركة انقلابية” لم تأخذ مداها ولم تتضح كامل معالمها بدأ الحديث عن نقطة تحول في مجرى الأزمة اليمنية بشقيها الداخلي والإقليمي، لأن “انفكاك” التحالف بين صالح والحوثيين يشكل تحولا مهما على الصعيدين الميداني والسياسي في الأزمة اليمنية، واستطرادا على مسار الصراع السعودي – الإيراني في المنطقة.
 
فماذا حدث ويحدث في اليمن؟
 
من الواضح أن الحرب في اليمن دخلت مرحلة جديدة مع طي صفحة الشراكة بين بقايا جماعة صالح وحركة أنصار لله، وأن عملية خلط للأوراق قد بدأت، وأن اختراقا يراهن عليه في صنعاء عبر “طرق داخلية” بعدما أخفقت السعودية في إحداث مثل هذا الخرق عن طريق الحرب الجوية التي تفتقر الى تواجد فعلي على الأرض، وهذا ما يفسر تهليل السعودية لهذا “التطور” والاهتمام المستجد بإعادة تأهيل جماعة صالح والرهان عليهم لإنقاذها من مأزقها في اليمن.
 
الأزمة بدأت عندما قرر صالح أن “صبره” إزاء من كانوا حلفاءه ذات يوم – الحوثيين – قد نفد، وراهن على التدخل السعودي فتوهم أن الوقت قد حان للتفاوض حول الانفصال عنهم من خلال طلقات الرصاص داخل صنعاء التي أدّت بالنتيجة الى نهايته بالفعل.
 
يقول خبراء في شؤون اليمن أن صالح أدرك أن تحالفه مع الحوثيين أصبح خاسرا له وأنهم يستفيدون من الغطاء الذي يوفره رصيده ورصيد حزبه. أدرك صالح أيضاً أن ردود الفعل التي ظهرت إثر استهداف السعودية بصواريخ حوثية تظهر أن المشروع الحوثي هو انتحاري بطبيعته. وعلي صالح الذي يملك براعة المناور، وهو رجل يرصد بدقة موازين القوى وتحولاتها، وهو خبير بالتوازنات بين الدولة والقبيلة، وبين القبائل نفسها، وبين الشمال والجنوب وداخل الجزأين أيضاً. فشل هذه المرة بضبط حساباته فدفع الثمن.
 
من جهة الحوثيين، المسألة مطروحة من زاوية مختلفة تماما، علي عبدلله صالح “خائن” وقرر الخضوع للسعودية، وهو قام بالانقلاب على “ثورة الشعب اليمني” ضد العدوان السعودي بعدما تلقى رشوة من السعودية ووعدا بأن يكون له مركزاً هاماً في قيادة اليمن. لذلك احتاطوا من اجل شطب علي عبدلله صالح من المعادلة. فبرز السؤال الأهم: اليمن الى أين؟!
 
علي عبدلله صالح “الزعيم” العربي الثالث الذي ينتهي قتلا بعد صدام حسين ومعمر القذافي. في الشكل تبدو نهايته مشابهة لنهاية القذافي. في “المضمون” السياسي والظروف المحيطة، تبدو نهايته مشابهة لنهاية مسعود البارزاني الذي “اغتيل سياسيا” وشطب من معادلة العراق وأسدلت الستارة على حياته. البارزاني لعب ورقة الاستفتاء على الاستقلال وكانت ورقته الأخيرة، إذ خاض مغامرة كلفته غاليا، وكانت النتيجة أن تمت إزاحته من المشهد. وصالح لعب ورقة الانقلاب على شريكه الحوثي وكانت “رقصته الأخيرة” مع الثعابين. كلاهما وقعا في أخطاء تقدير وحسابات. البارزاني أخطأ في تقدير الموقف الأميركي ودور حزب طالباني. وصالح أخطأ في تقدير مدى الاختراق الحوثي للقبائل وللمؤتمر الشعبي، وفي تقدير الموقف العسكري ومدى جهوزية التحالف بقيادة السعودية لملاقاته على الأرض . وما حصل أن صالح لم يستطع الصمود في صنعاء واضطر الى مغادرتها باتجاه مأرب، وأن التحالف لم يسعفه، وحتى لم يستطع حمايته وتأمين خروج آمن له.
 
هذه المقاربة بين كردستان واليمن وبين البارزاني وصالح توصل الى استناج مفاده أن إيران سجلت في غضون شهرين “انتصارين” عندما نجحت في تعطيل ورقة البارزاني والاستفتاء ضد حكومة بغداد، وعندما نجحت في إحراق ورقة صالح والانتفاضة ضد الحوثي. وبالتالي فإن السعودية فشلت رهانها مرتين في العراق واليمن، ولم تنجح في اقتناص فرصتين توافرتا وكان يمكن لهما أن تحدثا فرقا وتشكلا نقطة تحول. وهناك جهات في بيروت لديها الميل الواضح الى إدراج التطورات اللبنانية _استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري ونتائجها_ في هذا الإطار أيضا: إطار الصراع السعودي – الإيراني، وحسابات الربح والخسارة، حيث سجلت الرياض هدفا في مرماها وخسرت جولة نتيجة خطأ تقدير للوضع اللبناني أو خطأ تصرف أو خطأ معطيات زوّدت بها.
 
والسؤال هنا هل ستنعكس “تطورات اليمن” على لبنان وكيف؟!
 
هناك من يستبعد أن يكون لتطورات اليمن الميدانية والسياسية ارتباط مباشر بالتسوية السياسية في لبنان، وأن هذه تخضع للاتصالات الدولية، ولا سيما منها الفرنسية والأميركية، للوصول الى صيغة يتحدد من خلالها معنى “النأي بالنفس” وترجمته على الأرض، ليتم الإتفاق عليه في لبنان.
 
المملكة غير راضية على مسار الأمور، وهي تهدد بتقويض استقراره السياسي من البوابة الاقتصادية. والسعودية تفكر جديا بسحب الغطاء السياسي عن الرئيس الحريري وتيار المستقبل تسهيلا لتعريض البلاد لعقوبات دولية، واستراتيجيتهم الجديدة هي كشف الدولة اللبنانية، وما يزال البحث جاريا عن قيادة حليفة لها بديلة. وبحسب تلك الأوساط، أثبتت دول التحالف العربي أنها لا تفهم جيدا اليمن، كما لا تفهم جيدا لبنان، وقبلها سوريا، والعراق، ولكن خطيئة صالح بتحركه الأخير لم يرتكبها الحريري ودائرته المقربة لأن التجربة علمتهم، وأثبتوا أنهم أكثر دراية بواقع الحال في لبنان.