خميس بن عبيد القطيطي:
هناك ثقة تامة تسود الأجواء في تنفيذ بنود الاتفاق، وأن أي حدث عارض ينبغي ألا يؤثر على تنفيذه، والاستفادة من تلك الروح الإيجابية التي تسود اليمن حاليا، ومن هذا المنبر فإنني أستشرف نقلة يمنية جادة نحو المستقبل، والدفع بشكل إيجابي نحو المباحثات المزمعة في يناير القادم..
رغم مرور أسبوع على اتفاق السويد بين اليمنيين، إلا أنه يظل الحدث الأبرز خلال الأيام الماضية نظرا لأهميته في وضع حجر الأساس لمصالحة يمنية، وإنهاء تلك الأزمة التي يعيشها أبناء اليمن منذ سنوات، ومع أن الاتفاق ما زال طريا، إلا أنه يتطلب المحافظة عليه وتطبيق بنوده حسب الخطة الموضوعة وبدرجة عالية من الأهمية، تلك البنود المتمثلة في تفاهم حول مدينة تعز التي ينتشر فيها أكثر من طرف، وتفعيل اتفاقية تبادل الأسرى، والاتفاق حول مدينة الحديدة مع سريان وقف إطلاق النار وإعادة الانتشار في المدينة وموانئ (الحديدة والصليف ورأس عيسى) والاستفادة من عوائدها في دفع رواتب الموظفين، إلا أن هذه الاتفاقية ليست كل الطموحات، فهناك طريق طويل لإنهاء تلك الأزمة يتطلب تقديم مزيد من التنازلات من قبل جميع الأطراف، ويتطلب كذلك إرادة قوية واستقلالية قرار.
لم تشأ المباحثات تناول الموضوعات الحساسة مبكرا مثل تقاسم السلطة، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وإلغاء المظاهر المسلحة في المدن، وتسليم السلاح للدولة، وهو ما يتوقع أن يتم البدء فيه خلال الشهر القادم، ومن هنا نأمل أن يكون جميع الفرقاء في اليمن قد أدركوا حاجتهم الماسة وحاجة الوطن إلى لغة جامعة للالتقاء في نقاط مشتركة تفرض نفسها لعودة الحياة الطبيعية في اليمن السعيد، وعودة اليمن إلى سابق عهده.
تكمن أهمية هذا الاتفاق في كونه أول اتفاق بين اليمنيين يتم التوقيع عليه والبدء في تنفيذه، ما يؤكد وجود رغبة جادة في إنهاء هذه الأزمة التي وضعت أبناء اليمن في معاناة إنسانية تزداد شدتها كلما تقدم الوقت، وبالتالي فإن التقدم في تنفيذ هذا الاتفاق يحفز جميع الأطراف بما فيها المجتمع الدولي إلى المسارعة بالانتقال إلى جولة جديدة من المباحثات نأمل ألا يتجاوز انعقادها شهر يناير القادم، كما هو مخطط لها.
كنا نأمل من الضامن والراعي الأممي في هذه المباحثات أن يطالب دول التحالف بضمانات مساعدة لتنفيذ الاتفاق، وإيقاف القصف بشكل نهائي طالما هناك خطوات تنفيذية في تطبيق الاتفاق، وكذلك إيقاف إطلاق الصواريخ من الجانب المقابل لضمان نيات حسنة تضفي مزيدا من النجاح، ولكن م ازلنا نعول على أن قوات التحالف والأطراف اليمنية جميعهم مدركون أهمية الوصول إلى اتفاق بين اليمنيين بعدما تبين أن استمرار هذه المواجهات لا تخدم أحدا، بل دفعت نحو مزيد من المعاناة وجلبت الدمار ومآسي إنسانية يرزح تحت وطأتها أبناء اليمن.
ومن هنا ينبغي أن يدرك الجميع خطورة استمرار تلك الأوضاع الإنسانية المتفاقمة في اليمن، ووضعها كقاعدة يتم الانطلاق من خلالها في تنفيذ هذا الاتفاق، وكذلك عند البدء في المباحثات الأخرى الأكثر أهمية، لتجنب أي تأخير في إنجاح المباحثات القادمة؛ لأن هناك أطفالا يموتون في اليمن نتيجة تلك الأوضاع التي سببتها هذه الأزمة، والجميع هنا أمام مسؤولية تاريخية وإنسانية تفرض عليهم التقدم للأمام في سبيل تحقيق التوافق والنجاح، وبلا شك أن الجميع يدرك أن تجاوز المرحلة الراهنة يتطلب تقديم تنازلات كبيرة، وذلك بعدما وصل النزاع إلى طريق مسدود لم يكن لينتهي بالمواجهات المسلحة، وأن الهدف الأسمى هو اليمن، ولا توجد عداوات وأحقاد بين مختلف الفرقاء، بل هو مجرد اختلاف رؤى بين أبناء البيت الواحد، وهذا أمر صحي يعول عليه نحو مستقبل يمني مشرق، ولا نقول ذلك إفراطا في الثقة، بل هي حقيقة الصراع وبث التفاؤل على الدوام.
هناك ثقة تامة تسود الأجواء في تنفيذ بنود الاتفاق، وأن أي حدث عارض ينبغي ألا يؤثر على تنفيذه، والاستفادة من تلك الروح الإيجابية التي تسود اليمن حاليا، ومن هذا المنبر فإنني أستشرف نقلة يمنية جادة نحو المستقبل، والدفع بشكل إيجابي نحو المباحثات المزمعة في يناير القادم، وطالما تولدت تلك الثقة المتبادلة بين مختلف الأطراف فهي ـ بعون الله ـ ستكون سائدة في المرحلة المقبلة، على أن يكون الوطن جامعا لكل التيارات والأحزاب الأخرى دون استثناء، وكل المكونات ـ بلا شك ـ ستكون معول بناء واستقرار وازدهار ليمن المستقبل، ونحن هنا ندعو كل الأطراف المعنية واليمنيين عموما إلى السعي الجاد والحثيث لنشر ثقافة التسامح والمصالحة وإعلاء كلمة الوطن ووحدة ترابه، من أجل يمن مستقر يتجاوز العثرات التي قد تعترض مشوار المباحثات مستقبلا، حفظ الله اليمن وأبناءه وجمعهم على كلمة سواء.