أسعد عبود
تمنح زيارة الرئيس السوري بشار الأسد للصين سوريا، وما تخلّلها من اعلان عن “شراكة استراتيجية” بين الصين وسوريا مجالاً أوسع لدمشق للتعاطي مع الأزمات الخانقة التي ترزح تحتها منذ 2011. وعند الحديث عن الصين، يقفز البعد الاقتصادي كأولوية على جدول أعمال زيارة تأتي بعد انقطاع عن التواصل على مستوى عالٍ بين دمشق وبكين منذ 2004. وبالطبع، حاذرت الشركات الصينية توسيع نشاطها في سوريا بعد الهدوء النسبي في المعارك منذ عام 2019، بسبب العقوبات الأميركية. والصين شاركت مع روسيا في أكثر من فيتو في مجلس الأمن لإسقاط قرارات تَقدّم بها الغرب في سنوات الحرب. ومع ذلك، تؤشر زيارة الأسد إلى منحى صيني جديد في التعامل مع سوريا، التي تتعرّض لعقوبات أميركية مشلّة، تركت آثارها في تدهور قيمة العملة السورية إلى مستويات غير مسبوقة. وكان هذا سبباً في عودة بعض الاحتجاجات إلى بعض المناطق السورية، يبقى أبرزها في محافظة السويداء في الجنوب السوري. وأتت الزيارة بعد الانفتاح العربي على سوريا، وعودتها لتشغل مقعدها في جامعة الدول العربية. ويعدّ هذا حافزاً للصين كي تنشّط علاقاتها بسوريا، على رغم التهديدات الأميركية بفرض عقوبات على أي شركة تتعامل مع الحكومة السورية. وعامل آخر يدفع بالصين إلى انطلاقة جديدة في سوريا، يتمثل في الضغوط التي تمارسها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، لإطلاق ممرات تجارية في مواجهة “طريق الحرير الجديدة”، التي بدأت الصين العمل عليها في سياق مبادرة الحزام والطريق، التي تجمع بين أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا. وبعدما وثّقت الصين العام الماضي علاقاتها بدول الخليج ورفعتها إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، ها هي تتطلّع اليوم إلى منافسة أميركا في مناطق أوسع من المنطقة. وكانت زيارة وزير الخارجية الصيني وانغ يي لدمشق في صيف 2021، خطوة في اتجاه استكشاف إمكانات التعاون مع سوريا. وفي عالم تتزاحم فيه التكتلات الاقتصادية، وتتجّه بكين إلى توثيق علاقاتها بروسيا وإيران ودول الخليج العربية وتركيا، فإنّ الالتفات إلى سوريا والعراق، يعدّ بمثابة نقلة أخرى في مجرى تعزيز طرق التجارة الصينية. أما في المعنى السياسي، فإنّ الولايات المتحدة مثلما تعارض انفتاح الصين على روسيا وإيران، لن تكون مرتاحة لأي تحرّك يخفّف طوق العزلة عن سوريا. وأي انزياح صيني نحو روسيا وإيران وسوريا، وهي دول خاضعة لعقوبات أميركية كاسحة، من شأنه أن يثير الاستياء في البيت الأبيض، ويكون سبباً في مزيد من التأزّم في العلاقات الأميركية-الصينية. واللحظة التي اختارتها بكين للاندفاع في اتجاه سوريا، مليئة بالكثير من الرمزيات، وأولها أنّ الاعتبارات التي كانت تقيمها الصين في تعاملها مع سوريا في سنوات الحرب، قد سقطت الآن، وثانيها، يمكن أي مساعدة صينية لدمشق في المجال الاقتصادي، أن تكون مؤثرة في تحصين النظام في الداخل، وثالثاً، أتى التحرّك الصيني في ظلّ الانشغال الروسي في الحرب الروسية-الأوكرانية، وكأنّ الصين بذلك تتحمّل بعض الأعباء عن روسيا في الساحة السورية، وخصوصاً في المسألة الاقتصادية، ورابعاً، تدرك الصين أنّ موقع سوريا على عقدة الممرات التجارية الإقليمية والدولية، قد يترك مساهمته الإيجابية على “طريق الحرير الجديدة”. ومع تلازم السياسة والاقتصاد، فإنّ الصين ربما تطمح إلى دور أكبر في دفع الحل السياسي في سوريا. وتربط سوريا مثلاً مسألة عودة اللاجئين بإعادة الإعمار. وهنا يأتي دور الصين الذي لا غنى عنه، كمساهمة فاعلة على هذا الصعيد. وضمن هذه العناوين تندرج زيارة الأسد لبكين، والتي تفترض كل التكهنات أنّ مفاعيلها لن تظهر على المدى القريب، وإنما على المديين المتوسط والبعيد.
24-09-2023 | 05:40 المصدر: النهار العربي