تزامناً مع التحذير الذي اطلقه الرئيس الفرنسي ماكرون والخاص بالملف النووي الإيراني ، والذي اعتبر من خلاله ان ادارة ترامب تتجه نحو حرب مع إيران عبر الانسحاب من الاتفاق النووي ، وهنا وتزامناً مع هذا التصريح ” البالغ الخطورة ” بدأ واضحاً لجميع المتابعين،أن ترامب، قرر فعلياً اعلان انسحابه من الاتفاق يوم 12 مايو ، والواضح اكثر أن حراكاً سياسياً تبنته الإدارة الامريكية، وبعدّة أتجاهات، أقليمياً ودولياً ، والهدف هو السعي لأنضاج مناخ أقليمي ودولي، يهيّأ ألارضية المناسبة لمرحلة ما بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق ، في حين ان هناك معارضة إلى حد كبير لقرار ترامب هذا ، من قبل مجموعة “5 + 1″، التي تضم جميع الدول الـ5 دائمة العضوية في مجلس الأمن، أي روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا، بالإضافة إلى ألمانيا.
وهنا وعند الحديث عن الاطراف المنخرطة في الاتفاق ، فـ في حين إنّ طهران والدول الخمسة والمنظمات الدولية المعنية ،تؤكد و تتحدث عن إنّ اكثر من 95% من الملفات التقنية التي قد تم الاتفاق عليها ضمن التوقيع على الاتفاق قد التزمت بها طهران ،تخرج واشنطن لتدحض هذا الرقم لتقول إنّ 60% فقط من الملفات والتفاهمات التقنية بخصوص برنامج إيران النووي هي من التزمت بها طهران !! تناقض التصريحات الإيرانية والدولية من جهة والأمريكية من جهة اخرى ، يعطي دلالات واضحة على إنّ هناك مؤشرات تؤكد بأن ادارة ترامب قد اتخذت فعلياً قرار الانسحاب من الاتفاق ، والواضح اليوم إنّ تحركات واشنطن الأخيرة ،تهدف الى أقناع شركائها بالغرب وحلفائها بالأقليم بضرورة التوافق على مراجعة شاملة لملف إيران النووي ، لـ ينتهي بأتفاق أممي ” جديد “مع إيران بخصوص ملفها النووي، وعندها ستعود واشنطن للشراكة بهذا الاتفاق الجديد .
الواضح اكثر اليوم ، ان هناك حراك داخلي واضح بواشنطن ، يقوده جمهوريو الكونغرس بالشراكة مع اللوبي الصهيوني، يذهب باتجاه الغاء الأتفاق برمته ،حراك واشنطن الداخلي المعارض لهذا الاتفاق النووي مع الإيرانيين، تزامن مع رسائل إعلامية بعث بها جمهوريو الكونغرس الى الإيرانيين، تُحذّرهم بمضمونها من إنّ مسار اتفاقهم النووي مع امريكا، ستنتهي شرعيته قريباً ، بالإضافة الى هذا الطرح، فقد شهدت مجموعة من وسائل الإعلام الامريكية مؤخراً، حملة شرسة تعارض استمرار أمريكا بالشراكة باتفاق إيران النووي ،وهذا مايؤكد وجود حملة ممنهجة بالداخل الامريكي تسعى وبقوة لاخراج امريكا من أتفاق إيران النووي مبكراً .
حراك واشنطن الداخلي المعارض لاستمرار شراكة امريكا بالاتفاق ،هو صدى لمعارضة “اسرائيلية ” وبشدّة ومن خلف الكواليس لاستمرار امريكا بالشراكة بهذا الاتفاق، وبالاضافة الى الضغوط الاسرائيلية فاليوم الإدراة الامريكية لاترغب بخسارة حلفائها بالمنطقة وبالخليج ايضاً المعارضين لاستمرار امريكا بهذا الاتفاق ، وخصوصاً السعوديين الذين تجمعهم بواشنطن علاقة شراكة أستراتيجية تزيد على سبعة عقود من الزمن،بنى جسورها الملك السعودي عبد العزيز آل سعود، والرئيس الامريكي روزفلت ،كما إن الإدراة الامريكية لاتريد أن تدخل بمناكفات طويلة مع جمهوريي الكونغرس المحسوبين عليها الداعمين لموقف نتنياهو والسعوديين ،والمعارض وبقوة لاتفاق ايران النووي .
وبالانتقال الى إيران وهي الشريك المعني بالاتفاق النووي ،فاليوم هناك بالداخل الإيراني قوى محافظة، تعارض بشكلٍ كلّي مسار أي تفاهمات جديدة مع الغرب وأمريكا ،لأنها ترى بأنها قدمت تنازلات كبيرة عندما وقعت على الاتفاق ، مع العلم ان البرنامج النووي الإيراني هو شأن داخلي إيراني ويعمل ضمن منظومة سلمية، فهم يتسائلون ولهم احقية التساؤل.. فما علاقة الغرب ببرنامج إيران النووي السلمي؟ولماذا يساوم الإيرانيون الآخرين على حقوقهم المشروعة ؟،ولماذا لا يتعامل الغرب مع الكيان الصهيوني الذي يملك ترسانة عسكرية نووية تتمثل ب290 رأساً نووياً ..على الأقل كما يتعامل مع الإيرانيين ؟؟تساؤلات القوى المحافظة بالداخل الإيراني الواردة أعلاه ،شكّلت بالفترة الأخيرة عامل ضغط على حكومة الرئيس الإصلاحي الإيراني حسن روحاني ،فاليوم هناك الكثير من الأصوات المؤثرة بدأت ترتفع بالداخل الإيراني، تعارض بشكلٍ قاطع تقديم أي تنازلات تقنية أو سياسية جديدة من الدولة الإيرانية للغرب وأمريكا ، مقابل التوافق على تفاهمات جديدة لملف إيران النووي مع الغرب .
ومع كل هذا ، فـ هذه المؤشرات بمجملها والواردة من اكثر من أتجاه .. من الطبيعي أن تشكل عامل ضغط على صنّاع ومتخذي القرار ” الدولي – بخصوص الاتفاق النووي “، والمعنيين بشكلٍ رئيسي باستمرار تنفيذ مراحل اتفاق ملف إيران النووي .
ختاماً ،يبدو إن جميع المؤشرات تذهب بواشنطن ومن خلال حديث ترامب ، أتجاه انهاء شراكة واشنطن بالاتفاق ،فالمؤشرات بمجملها والواردة من جميع الاطراف المعنية بواشنطن والمتأثرة كما تدعي من آثار هذا الاتفاق ،تؤشر بشكل متزايد على أحتمالات وتكهنات بدأت تطفو من جديد الى السطح، تؤكد الى حد ما عدم وجود أرضية ومناخ دولي وأقليمي بهذه المرحلة تحديداً، يهيّأ المناخ الدولي والاقليمي المضطرب بشكلٍ عام لقبول تداعيات وأبعاد خروج وانسحاب واشنطن نهائياً من هذا الاتفاق بهذه المرحلة تحديداً،ومع ذلك سننتظر القادم من الأيام ليعطينا مزيداً من الإجابات التي ستؤكد وتكشف بعض خفايا مايدور خلف الكواليس بواشنطن تحديداً ،تزامناً مع وجود خشية غربية وأقليمية من حماقة قد يرتكبها نتنياهو وبتحريض ودعم من بعض القوى بالأقليم، بالذهاب نحو عمل عسكري ضد المصالح النووية بإيران، قد تقلب الطاولة على الجميع، وتدخل المنطقة والاقليم بدوامة صراع لاحدود زمانية ولامكانية له.