ممدوح المهيني
إعلامي وكاتب سعودي. مدير قناتي «العربية» و«الحدث» كتب في العديد من الصحف السعودية المحلية منها جريدة الرياض، ومجلة «المجلة» الصادرة في لندن. كما عمل مراسلاً لـ«الشرق الأوسط» في واشنطن. وهو خريج جامعة جورج ميسون بالولايات المتحدة.
أخطاء وزلات الرئيس بايدن ليست جديدة. ينسى ويتلعثم ويخطئ، ويخلط في الأسماء حتى بين أعضاء إدارته. ولو نتذكر فقد جعل الجمهوريون وفريق ترمب هذا العيب هدفاً للتصويب عليه. سمّوه النائم والنعسان وقالوا إن هناك سماعات موصولة لأذنه ويوجد شخص يلقّنه الكلام. هناك كم كبير من الفيديوهات الصحيحة والمزيفة لبايدن وهو يغمغم ويجلس على كراسيّ غير مرئية وينظر لاتجاهات مختلفة، كما حدث في اجتماعه مع أعضاء الدول السبع.
لماذا أصبحت هذه الأخطاء فجأة قضية كبيرة؟ بسبب المناظرة الكارثية بالتأكيد، ولكن أيضاً بسبب، وهذا الأهم، الديمقراطيين. ناقدوه سابقاً كانوا خصومه الجمهوريين والمعادين له. نقد الخصوم مشبوه ويحمل أجندات، واضحة وخفية، ولهذا لا تكتسب مصداقية عالية عند الجمهور المستهدف. ولكن إذا انقلب عليك أنصارك وحلفاؤك وداعموك فهذا يعني أنك في مأزق وهذا ما حدث له. انقلب عليه الإعلام وأعضاء من حزبه ونجوم هوليوود بعد المناظرة وأغلقت الدائرة عليه. فجأة، بعد أن كانوا يهيلون عليه المديح أصبحوا يقذفونه بالحجارة. وجد نفسه محاصراً، وبعد أن كان يقاتل الجمهوريين أمامه أصبح يقاتل الديمقراطيين خلف ظهره، وقال في حوار معه ممتعضاً منهم: «إنه ضجر من النخبة» التي انقلبت عليه.
لقد تسببوا بإضعافه ومن المستحيل أن يكمل، حتى لو كان بصحة جيدة. وفي حالة التمزق والفوضى والهجوم عليه ومطالباته بالانسحاب وردوده القاسية على من يطلب منه ذلك (يقال إنه هاجم في اجتماع أحد أعضاء الكونغرس الذي طالبه صراحة بالانسحاب… واتخذ موقفاً دفاعياً من بيلوسي). في هذا الوقت الحرج بالضبط حدث له أسوأ سيناريو يمكن أن يتخيله. محاولة فاشلة لاغتيال خصمه اللدود أظهر فيها شجاعة وإقداماً وحوّل نفسه إلى بطل وخلّد اللحظة وهو يرفع قبضته بصورة تاريخية ويردد: «قاتلوا قاتلوا!».
هل كان بايدن يريد الخروج؟ بالطبع لا ولكنه أجبر على ذلك. كل ما كان يقوله عكس تماماً قراره المفاجئ. رغم أن رسالة الانسحاب كتبت بطريقة شخص يضع أمته قبل نفسه، فإنه قبل يومين فقط من إعلانها كان يضع نفسه قبل أمته، يتشبث بمكانه ويرفض أن يتزحزح منه، ويؤكد أنه الوحيد القادر على هزيمة ترمب، وقادر على أن يفعلها مرة أخرى ويشكك بالاستطلاعات التي تظهره متأخراً ويقول إنها غير دقيقة ومبكرة.
ومن المؤكد أن هذا هو ما يؤمن به في قرارة نفسه حتى وهو يكتب قرار وداعه الأخير. والسبب أنه لا يرى أنه غير كفء أو لا يستطيع هزيمة ترمب (سواء كان محقاً أم مخطئاً)؛ ولكن لأنه يرى أن المقربين منه انقلبوا عليه انقلاباً أبيض، وبالتالي شككوا بشرعيته ولم يعد أحد يدعمه سوى عدد محدود؛ أبرزهم زوجته التي اتهمت بأنها تتلاعب بزوجها وتجبره على البقاء حباً في السلطة.
السؤال: هل يندم الديمقراطيون لاحقاً على الإطاحة به خصوصاً أن خصمه ترمب في أفضل حالاته ويعيش أجمل أيامه وتعززت شعبيته بعد محاولة الاغتيال الفاشلة؟ كما أن هناك حالة كاملة من الالتفاف الجمهوري عليه خصوصاً بعد اختيار شخصية مميزة ولامعة مثل نائبه؟ ترمب لا يُرى الآن فقط رئيساً قادماً، ولكن صانع ملوك في الحزب الجمهوري، بسبب الشعبية الهائلة التي يتملكها والتي مكنته من الفوز بترشيح الحزب من دون أن يخوض أي مناظرة.
هل تستطيع نائبة الرئيس الأميركي كمالا هاريس هزيمة شخصية قوية وشعبية مثل ترمب؟ وهل تتمكن من رص الناخبين خلفها؟ هل تستطيع أن تفعل ما عجزت عنه شخصية متمكنة وسياسية خبيرة مثل هيلاري كلينتون؟ لا أحد يعرف الإجابة، ولكن رأيي الشخصي ستكون مفاجأة لو فعلتها. خلال الثلاث سنوات ونصف السنة الماضية لم يلمع نجمها، وانتقدت بطريقة تعاملها بقضية الهجرة التي أوكِلت إليها. وهناك من يقول إنها لا تمتلك السمات الرئاسية المتوفرة في غيرها من المرشحين الديمقراطيين. ولكن قد تتجاوز هذه العقبات إذا وضعت تحت الضغط والأضواء. وقد تكون أكبر مزاياها أن الكارهين لترمب سيلتفون حولها لمنعه من فترة ثانية. ولكن كل ما نقوله مجرد تخمينات ولا أحد يعرف فعلاً ماذا سيحدث ومن سيفوز في الانتخابات بعد 4 أشهر.
الأكيد أن بايدن يشعر بالمرارة بسبب إجباره على الخروج، وترمب وفريقه سعيدان للتخلص من خصم عنيد، وهاريس أمام مهمة عسيرة وصعبة، ونحن دخلنا في مرحلة جديدة مليئة بالإثارة والدراما.