طارق الحميد
صحافي سعودي، عمل مراسلاً في واشنطن. تدرَّج في مناصب الصحيفة إلى أن أصبحَ رئيس تحرير «الشرق الأوسط» من 2004-2013، ورئيس تحرير مجلة «الرجل» سابقاً. محاضر دورات تدريبية في الإعلام، ومقدم برنامج تلفزيوني حواري، وكاتب سياسي في الصحيفة.
المشهد اليوم في المنطقة، ومنذ عملية السابع من أكتوبر (تشرين الأول) والحرب على غزة، شديد التأزم، لكنه شديد الوضوح، فبعد نحو العشرة أشهر من عمر الحرب، والأحداث المأساوية التي شهدتها، وتسببت بها، بات الفرز واضحاً، ولا مجال لمزيد من التضليل، أو الأماني
اليوم لا تحتاج إلى توضيح الصورة حول قرار «حماس» في عملية السابع من أكتوبر، ولماذا اتخذ، ومن كان يقف وراءه، وكيف أنه بلا فوائد، ولو شكلية، وإنما استمرار لمسلسل من الأخطاء في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.
ولا تحتاج أن تشرح موقف إيران، خصوصاً بعد اغتيال إسماعيل هنية في طهران. أو مواقف ميليشياتها الطائفية المسلحة في المنطقة، وما فعلته بأربع عواصم عربية. ولا تحتاج أن تشرح موقف «حزب الله»؛ ما هو؟ وما أهدافه؟
وأنا أتحدث تحديداً عن فترة الحرب على غزة، أما مواقف إيران و«حزب الله» فواضحة جلية منذ عقود، ورغم كل محاولات التشويش والتضليل من قبل بعض وسائل الإعلام العربية، والآن وسائل التواصل الاجتماعي.
والأمر نفسه ينسحب على جماعة «الإخوان المسلمين»، التي حاولت أن توجد لنفسها موقعاً من خلال المتاجرة في الحرب على غزة، لكنها تلقت ضربة مربكة بسبب اغتيال إسماعيل هنية في طهران.
ورغم اتضاح الصورة، وبشكل جلي، فإن الملاحظ الآن هو التصعيد الإعلامي، والتسريبات الكاذبة والمضللة تجاه دول الاعتدال، وعلى رأسها قائدة الإصلاح والتطوير السعودية. وهناك حملة من الشتائم والتخوين على منصات التواصل الاجتماعي، فلماذا كل ذلك؟
قناعتي أننا الآن، وبسبب اتضاح الصورة، ووضوح المشهد، وصلنا إلى ما أسميه «اهتزاز الآيديولوجيات» التي كانت تنوي الاستفادة من حرب غزة من أجل تعزيز مواقفها، مثل إيران. أو من أجل إعادة التموضع، مثل «الإخوان المسلمين».
اهتزاز الآيديولوجيات هذا أدى إلى ارتباك سياسي لبعض الدول، واهتزاز أعصاب للميليشيات، وكذلك الجماعات التي كانت تنوي الاستفادة من حرب غزة التي كلما قاربت على النهاية، استوعب أصحاب الآيديولوجيات أن خسارتهم وشيكة، وفادحة.
وأنا هنا لا أتحدث عن ربح وخسارة في غزة، وإنما من كانوا يخططون للمتاجرة بحرب غزة للاستفادة منها ببعض العواصم العربية، من دمشق، مروراً ببيروت، وإلى صنعاء، وحتى بغداد، وأضف لها ما كانوا يخططونه للرياض أو القاهرة أو عمان.
اهتزاز الآيديولوجيات هذا هو خشية خسارة الرأي العام، الأناس العاديين، وكذلك النخب، وخسارة التأثير عبر التأليب والأكاذيب في الغرب، من أوروبا إلى الولايات المتحدة، حيث محاولات التضليل العبثية المستمرة.
اليوم الجميع يرى عواقب الحرب في غزة، وتخبط «حماس» باختيار السنوار لقيادة الحركة، وهول الصدمة من اغتيال إسماعيل هنية في إيران، وارتباك طهران و«حزب الله» بالرد على إسرائيل، خصوصاً مع ما يفعله نتنياهو بقيادات «حزب الله»، وذلك خوفاً من العواقب.
كل ذلك أدى إلى ما أسميه باهتزاز الآيديولوجيات، لأن حجم الضربة مربك، وعلى عدة اتجاهات. هذا هو الواقع، وهذا هو حالهم، وآخر همهم ضحايا غزة، حيث لا تسمع منهم صوت عقل، أو محاولة لاستدراك ما يمكن استدراكه، وإنما تخوين وشتائم ولغة انفعالية.