(أجتياح أوكرانيا ألبداية لفرض نظام عالمي جديد)

1

حسن فليح/ محلل سياسي

منذُ تسعينات القرن الماضي وبعد الانهيار الذي حصل للاتحاد السوفيتي حين ذاك واحتلال العراق عام ٢٠٠٣ تعزز النظام الدولي الحالي الذي يعيشه العالم الان ، وهيمنة امريكا دون منازع ، اليوم نشهد بوادر تحول عالمية جديدة من جراء العلاقة المتينة بين الصين وروسيا ومالدىٰ الدولتين من ترسانه عسكرية متطورة كبيرة وقدرة اقتصادية وصناعية هائلة مدنية وعسكرية ، تساعدهما في سعيهما الحثيث لتأكيد نفوذهما العالمي عبر مطالبة الصين بتايوان ومطالبة روسيا بعدم انظمام اوكرانيا لحلف الناتو وعدم السماح للحلف بالتوسع نحوها ورفضها نشر الصواريخ فيها ، الامر الذي جعل من موسكو تشعر بالخطر الشديد علىٰ امنها القومي ويهدد وجودها وينذر بتفكيكها مستقبلاً ، تنامىٰ هذا الفهم لدىٰ القيادة الروسية بعد تجاهل مطالباتها ومقترحاتها المرسلة لواشنطن لحل الازمة ، لاشك ان توقيت روسيا لوضع حد لتمدد حلف الناتو في الوقت الراهن دليل علىٰ حسن اختيارها التوقيت المناسب في الظرف الذي تعاني منه الولايات المتحدة من مشاكل عديدة تدور من حولها في العالم ، اولها التحدي الصيني لها في موضوع تايوان والتحالف المتين بين روسيا والصين ومشكلة ايران وبرنامجها النووي وتمددها في اربع عواصم عربية وتطوير صواريخها البالستية وطيرانها المسير والذي اصبح بيد الفصائل المسلحة وماتشكلهُ من خطر شديد علىٰ اسرائيل والقواعد العسكرية الامريكية في سوريا والعراق ، في ضل تلك الاجواء جائت مطالب موسكو بالتزامن مع التراجع الامريكي في الشرق الاوسط وانسحابها المفاجئ من افغانستان وسحب قواتها القتالية من العراق وسحب منظومة صواريخ الباتريوت من الخليج الذي يشير الىٰ تداعي الولايات المتحدة في تعاطيها مع الازمات وخاصةً في الشرق الاوسط الملتهب والخصب دائما للتدخلات ، تاركتاً المنطقة لمن يريد ان يكون حاضراً ليملي الفراغ ، في حين نجد دوراً متناميا وفاعلا لروسيا والصين علىٰ المستوى العالمي والشرق اوسطي ، تجلىٰ ذلك في الحضور الروسي في سوريا وتعاونها مع ايران وعلاقتها المتينة مع الصين تلك القوة الاقتصادية والعسكرية الجبارة وبتفاهم مشترك لوضع حد لتفرد امريكا بالعالم ، وهذا ماعبر عنه الزعيمان الصيني والروسي في بيانهما المشترك علىٰ اثر الزيارة التي قام بها الرئيس بوتن لبكين ، الازمة الاوكرانية اليوم هي عنوان ذلك التحدي بعد الاعلان عن بداية فصول الحرب ، وبأدارة بوتين الذكية لها ، وتخبط واشنطن وحلف الناتو علىٰٖ كيفية التعامل معها ، وبجميع الاحوال في حال ان توسعت العمليات العسكرية واسقاط حكومة اوكرانيا او توقفت بأذعان حكومة كييف للمطالب الروسية وتتعهد بعدم الانظمام مستقبلاً لحلف الناتو وعدم نشر الصواريخ فيها وتصبح منزوعة السلاح ، فأن ذلك يعد نصراً سياسيا وعسكريا لروسيا وخطوة مهمة بأتجاه عودة موسكو وبقوة للمنافسة والنفوذ وبداية انهيار اوكرانيا التي ارادتها الولايات المتحدة ان تكون القاعدة المتقدمة امام روسيا لحلف الناتو ، ولاول مرة ومنذُ اكثر من ثلاث عقود لم تتعرض امريكا وحلفائها مثل هذا الحرج والتحدي المتقن والمدروس بعناية تامة ، وكذلك لاول مرة تتعرض واشنطن بأسقاط الخيار العسكري من يدها ، حيث لاتستطيع الولايات المتحدة القيام بالرد العسكري ، كون ذلك بمثابة الاعلان عن حرب عالمية ليست مستعدة امريكا لخوضها الان ، دائما امريكا تخوض الحروب مع الاضعف منها وليس مع القوىٰ المتعادلة معها في الميزان ، اوربا الان اكثر حرجا من امريكا في ضل الاجواء الحالية ، وتشعر أنها لم يترك لها المساحة الكافية في اتخاذ القرار الذي يتوافق مع مصالحها وأنها الان مرتهنة بالموقف الامريكي الضعيف ، في حين ان مصالحها مع روسيا والتبادل التجاري معها ومع الصين كبير جدا وخصوصاً اعتمادها علىٰ تدفق الغاز الروسي لها ، اوربا ذات الحضارة والانظمة الديمقراطية وشعوبها المتحررة من المؤكد ستضغط على حكوماتها من أجل التحرر من التبعية لامريكا للحفاظ علىٰ هويتها وخصوصيتها بالحضور العالمي ، خاصةً بعد ضهور محور بكين وموسكو كمتحدي قوي للولايات المتحدة ، هذا المحور الذي يريد ان يؤكد بشكل لايقبل الشك ان العالم امام معادلة دولية جديدة سيفرضها التحالف الروسي الصيني ، وأن تايوان ليست بعيدة عن التحرك العسكري صيني ضدها وضمها للصين وبالتزامن مع الاحداث الجارية في اوكرانيا الان ، وهذا ما اكده تصريح وزير الخارجية الصيني اليوم ملوحاً ان تايوان ليست اوكرانيا انها ارضاً صينية ، من المؤكد هذا الواقع والتلاحم الصيني الروسي سيجبر امريكا وحلفائها علىٰ التعامل مع تلك الحقيقة بأٖعتبارها واقعاً جديداً لامفر منهُ .

التعليقات معطلة.