(تقرير)كتب: عمر علاء
في وقت عصيب تمر به العراق، قام بابا الفاتيكان البابا فرانسيس بزيارة إلى بلاد الرافدين، أمس الجمعة وتستمر حتى غد الإثنين، في زيارة اكتسبت زخما كبيرا خاصة أنها أول زيارة خارجية له منذ تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد، حيث كانت آخر زيارة خارجية له في نوفمبر 2019، بجانب أنها أول زيارة بابوية لبغداد.وكان في مقدمة مستقبلي بابا الفاتيكان رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي. وتستمر زيارة البابا لمدة 4 أيام، وزار البابا العاصمة بغداد ومدينة النجف ومدينة أور ومن المزمع أن يتجه غداً لزيارة أربيل عاصمة إقليم كردستان.تأتي تلك الزيارة في وقت عصيب على العراق حيث تزداد التوترات الأمنية بعد تنفيذ عدد من الهجمات على قاعدة عين الأسد الأمريكية في العراق، مع ازدياد التنافس الإيراني الأمريكي على الساحة العراقية، فيما شهدت الزيارة رسالة للتسامح بين الأديان، حيث أعلن يوم 6 مارس يوماً وطنياً للتسامح والتعايش.واختلفت آراء المتابعين حول أسباب تلك الزيارة ففيما ذهب البعض إلى أن الزيارة ثقافية بالأساس لنبذ التعصب والنشر التسامح بين الاديان، ذهب آخرون إلى أن الزيارة لا تخلوا من النكهة السياسية.زيارة ثقافية … العراق مهد الدياناتالدكتور رائد العزاوي رئيس مؤسسة ( الأمصار ) للدراسات الاستراتيجية والأمنية أن زيارة البابا فرانسيس، تحمل طابعا روحيا وإنسانيا عظيمة لدى الشعب العراقي فعلى المستوى السياسي جاء لقاء البابا بالقادة السياسيين العراقيين ليقول لهم ( لتصمت أسلحتكم ) بمعنى ان المليشيات التي تحمل السلاح ولها حاضن سياسي أوصلت العراق إلى حافة الهاوية.وأضاف العزاوي أن العراق يحظى بمكانه عظيمة في كل الديانات السماوية أجمع، قائلاً: «البابا حين يزور العراق كأنه يحج الأن، لأن العراق هي مهد الأديان ومهد الأنبياء، هو مسقط رأس النبي ابراهيم عليه السلام هو أبوالأنبياء».ولفت العزاوي إلى أن بابوات الفاتيكان عبر التاريخ كانت نفوسهم تتوق إلى أن يزوروا العراق فهي مهد الانبياء واول دولة يوجد فيها معبد يعبد فيه الله، مشيراً إلى أن العراق يوجد به عدد من الديانات القديمة التي لا يوجد لها مثيل في العالم، مثل الديانة الصابئة والديانة الإيزيدية مما يكسبها أهمية دينية كبرى.وكان قد ألغي البابا يوحنا بولس الثاني رحلة إلى العراق كان مخططا لها في عام 2000 بعد انهيار المحادثات مع حكومة الرئيس صدام حسين.وحول الرسالة وراء تلك الزيارة، ذكر العزاوي أن البابا جاء لينشئ رسالة مفادها أن هذا البلد رغم كل ما مر به من مصائب ونكبات، لا يزال يحظى بالتسامح بين كل طوائفه، ولقاء بالمرجع الديني على السيستاني، علامة مهمة مفادها اعتراف واضح بمرجعية النجف دون مرجعية قم الإيرانية.كما شكلت الزيارة نجاحا لحكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، التي اثبت ان العراق قادر على العودة بقوة كفاعل إيجابي في محيطه العربي والدولي .كانت تكهنات قد أثيرت بشأن إلغاء زيارة البابا بسبب القصف المتكرر بالصواريخ على المنطقة الخضراء في بغداد، لكن الزيارة أتت وسط إجراءات أمنية مشددة.وفي أولى زياراته حل البابا ضيفا على قصر بغداد بالعاصمة العراقية، واستقبله رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الجمعة، وأعرب البابا عن امتنانه للمجئ إلى العراق مهد الحضارات، مضيفاً أنه جاء حاجاً، مشيرا إلى أن التعايش الأخوي يحتاج إلى حوار صادق.وقال البابا فرنسيس، إن العراق يعاني من آثار كارثية للحروب والإرهاب والصراعات الطائفية، مُعتبرًا أن ضررها وجروحها الأعمق بكثير سيستغرق سنوات للشفاء.وتابع: «لتصمت الأسلحة ولنضع حدا لانتشارها هنا (العراق) وفي كل مكان.. كفى عنفًا»، ورأى البابا أن «التنوع الديني والثقافي والعرقي الذي كان سمة مميزة للمجتمع العراقي لآلاف السنين هو مورد ثمين يمكن الاعتماد عليه، وليس عقبة يجب إزالتها».وفيما تحدث البابا عن معاناة الايزيديين ضمن ضحايا أبراء تعرضوا «لفظائع وحشية»، أكد أن الوجود القديم للمسيحيين وإسهاماتهم في حياة العراق يشكلان تراثًا ثريًا يرغبون في الاستمرار في وضعه في خدمة الجميع».لقاء السيستاني ورسائل إلى إيرانتبع ذلك التقاء بابا الفاتيكان، المرجع الديني الأعلى للشيعة في العراق آية الله العظمى على السيستاني، في منزله بمدينة النجف، لعقد اجتماع تاريخي، وخلال توجهه إلى مقر إقامة السيستاني تم إطلاق حمامات السلام في الهواء ترحيبا بقدومه، كما ظهر البابا وهو يقبل العلم العراقي، وبعد الاجتماع، دعا السيستاني القيادات الدينية على مستوى العالم إلى حث القوى العظمى على تحمل مسؤولياتها وتغليب العقل والحكمة على لغة الحرب، وأضاف أن المسيحيين يجب أن يعيشوا مثل كل العراقيين في سلام وتعايش.وبالتزامن مع اللقاء، وصف رئيس الوزراء العراقي، لقاء بابا الفاتيكان مع «السيستاني» بالتاريخي، معلناً تسمية السادس من مارس من كل عام يوما وطنيا للتسامح والتعايش في العراق.«لا يمكن نفى أن للزيارة ابعاد سياسية»، هكذا يقول الدكتور محمد محسن أبوالنور رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية، مشيراً إلى أن الفاتيكان تمزج بين الدين والأمور الاخرى، رغم إعلانها فصل الدين عن السياسة.وأضاف أبوالنور أن الزيارة هدفها ثقافي لكن فحواها سياسي، وتابع أن أن زيارة البابا فرانسيس للسيستاني كان يرسل من خلالها رسالة إلى إيران أن تكف دعمها للميليشيات والجماعات المسلحة في العراق.ولفت أبوالنور إلى أن الصواريخ التي سقطت على قاعدة عين الأسد الأمريكية في العراق «إيرانية».، يذكر أن تلك الزيارة تأتي في وقت يعاني فيه العراق من تدهور الوضع الأمني، حيث سقط ما لا يقل عن 10 صواريخ على قاعدة عين الأسد الجوية في محافظة الأنبار العراقية، وأثار الهجوم قلق المسؤولين الأمريكيين من سلسلة من الهجمات الانتقامية.واستطرد رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية أن السيستاني له كلمة عليا على الجميع في العراق لأن منصب المرجع يجمع بين السياسة والدين، مضيفاً: “لو كانت زيارة للتسامح فقط لما زار البابا المرجع الأعلى السيستاني”.واختتم قائلاً: «كل الامور تشير إلى أنها زيارة ثقافية لكن لها أبعاد سياسية لا يمكن إنكارها».في المقابل، يرى محمود الشناوي، الخبير في الشؤون العربية، أن زيارة البابا إلى العراق بالتأكيد تحمل أهدافا سياسية، مضيفاً أن هذا يمكن أن نستنبطه من الأماكن التي زارها البابا.ولفت الشناوي إلى أن زيارة البابا إلى المرجع الديني على السيستاني تحمل رسالة رمزية لانتصار الغرب لمرجعية النجف عن مرجعية مدينة قم الفارسية التي تتبنى ولاية الفقيه، موضحاً أن مرجعية النجف الأشرف لا تخضع لولاية الفقيه في إيران، ما يعد انتصارا كبيرا لمرجعية النجف ورسالة مبطنة وليست واضحة إلى أنه آن الأوان لأن تفك العراق ارتباطها بنظام ولاية الفقية، ومن ورائها إيران .«أور» مهد النبي إبراهيم.. رسالة تسامحالزيارات امتدت لتصل إلى مسقط رأس النبي ابراهيم في مدينة «أور» السبت لإدانة أعمال العنف باسم الدين والتي وصفها بأنها «أكبر إساءة وتجديف».وقال البابا، في خطابه الذي سبق صلاة مع ممثلين عن الشيعة والسنة والأيزيديين والصابئة والكاكائيين والزرداشتيين: «لا يصدر العداء والتطرف والعنف من نفس متدينة: بل هذه كلها خيانة للدين».وأضاف: «من هذا المكان ينبوع الإيمان، من أرض أبينا إبراهيم، نؤكد أنّ الله رحيم، وأن أكبر إساءة وتجديف هي أنْ ندنس اسمه القدوس بكراهية إخوتنا. لا يَصْدُرُ العداء والتطرف والعنف من نفس متدينة: بل هذه كلّها خيانة للدين». مشيداً بالشباب المسلم لمساعدته المسيحيين في إصلاح كنائسهم «عندما اجتاح الإرهاب شمال هذا البلد الحبيب».وقال مسؤول كنسي محلي إنه تم الاتصال باليهود ودعوتهم لكن الوضع كان بالنسبة لهم «معقدا» خاصة وأنهم ليس لديهم طائفة منظمة. وفي أحداث سابقة مماثلة في البلدان ذات الأغلبية المسلمة حضرت شخصيات يهودية أجنبية رفيعة المستوى.ولفت الخبير في الشؤون العربية إلى أن زيارة البابا فرانسيس إلى مدينة «اور» مهد إبراهيم عليه السلام، تعد رسالة واضحه أنه آن الاوان لأن يتشارك جميع العراقيين، بكافة أطيافهم في البلد الذي مزقته الصراعات، كما أنها رسالة واضحة من الغرب أنه يجب أن يتشارك العراقيين في وطن واحد ويعيدو لحمتهم الوطنية.وفي وقت لاحق وخلال عظته في القداس الذي ترأسه مساء السبت في كاتدرائية القديس يوسف للكلدان ببغداد، قال البابا: «المحبّة هي قوّتنا، وقوّة إخوة كثيرين لنا وأخوات، عانوا هنا أيضا من الأحكامِ المسبقة والإساءات وسوء المعاملَة والاضطهادات، من أجل اسم يسوع».دمج مسيحيين العراقزيارة أخرى ألقى عليها الضوء الخبير في الشؤون العربية وهى إلى قرية «قراقوش» القريبة من الموصل، والتى كانت مقر لتنظيم داعش، وهي قرية ذات أغلبية مسيحية لكنها شهدت أعمال عنف بعد استيلاء داعش عليها، وهجر المسيحيين منها، لكن الشناوي يرى أن زيارة البابا لها تعني أن تنظيم داعش انتهى وان المسيحيين لهم حق في هذا المكان،واجتاح تنظيم”داعش” الإرهابي شمال العراق من عام 2014 إلى 2017 ونفذ عمليات قتل المسيحيين والمسلمين الذين عارضوه.وتعرضت الطائفة المسيحية في العراق، وهي واحدة من أقدم المجتمعات في العالم، للتناقص بشكل خاص حيث أصبحت تضم حوالي 300 ألف شخص من نحو 1.5 مليون قبل الغزو الأمريكي عام 2003 وعنف الإسلاميين المتشددين الذي أعقب الغزو.وأستطرد الشناوي قائلاً: «الزيارة ذات دلالات رمزية سياسية بالأساس وإن كانت تحمل بعد روحياً ودينيا».وحول زيارة البابا المزمعة إلى أربيل عاصمة إقليم كردستان، استبعد الخبير في الشؤون العربية أن تكون ذات دلالة سياسية، أو أنها يمكن أن تفسر أنها دعم لانفصال كردستان، مؤكداً أن انفصال الإقليم مرفوض من قبل كل دول العالم، لكن الزيارة بروتوكولية، تأتي في سياق التأكيد على وحدة الشعب العراقي.أعجبنيتعليقمشاركة
التعليقات
اكتب تعليقًا…