باختصار: أسماء شوارعنا

1

 
زهير ماجد
 
اجمل اسماء الشوارع في العالم تلك التي ترتبط بمعنى له تاريخ موصوف بأهميته الوطنية أو العالمية. ثمة سياسيون كبار مروا في تاريخ بلادهم أو قدموا حضورا عالميا .. وهنالك مثقفون وفنانون وابطال تحرير ومخترعون وكتاب وغيرهم ممن لهم دالة انسانية عميقة ثم اجتماعية واقتصادية وغيره.
يهتم العالم بهذا التوجه كونه يعكس حفظه لتراثه الانساني من النسيان والتلاشي مع الزمن. فما اكثر الأسماء الموحية، وما اقلها من قدم في حياته قيما لا يمكن نسيانها على مستوى شعبه وامته والإنسانية جمعاء.
فعندما نسمي شارعا أو جادة أو سنترا أو حديقة أو أي مظهر في المدينة باسم معين، فإنما نكرم الوطن فيه ونكرمه بوطنه .. واحلى الأسماء واغناها تلك التي يجب ان لا تنسى، وتعكس نبضا وفعلا لا يمكن تجاوزه ابدا. فإذا اطلقنا مثلا كما هي الحال في تونس وربما غيرها اسم العلامة الكبير ابن خلدون، نكون قد شهدنا لتاريخ اسلامي عربي كما له وقع في تاريخ البشرية وماذا كانت اضافاته وجديده على صعيد ما.
يهتم العالم بهذه الظواهر ولا ينساها في حملة ابرازه لقياداته وكوادره المتقدمة التي مرت وعبرت في سمائه. انها الاسماء التي يتخلد بها وتشكل تحفته واعتزازه عبر كل اجياله. ومن كل جيل لا بد ان يخرج من له مساهمات مهمة ومميزة تدفعه لأن يحتل مكانا يظل اسمه فيه قائما على مر العصور.
لا املك تقديرا ومعرفة لأسماء شوارع العالم وحتى شوارع بلادي لبنان، وهي مهمة عسيرة بطبيعة الحال، لكني اعتقد ان الواجب يدعو لتخليد ابطال عرب بالدرجة الأولى قدموا تضحيات رسمت علامة فارقة في تاريخ بلادهم وامتهم. مثلا على الصعيد القومي جمال عبد الناصر، وعلى الصعيد الأممي نهرو وتيتو وشكسبير واليوت ودوستويوفسكي وبيتهوفن وغيره وغيره من اسماء كبرى ستكون مفخرة المكان، وليس اساءة له كما هو الحال مع تسمية شارع غورو في بيروت، وهو الاستعماري الذي احتل دمشق، ثم ذهب لتوه الى ضريح صلاح الدين الايوبي ووضع قدمه عليه صائحا بأعلى صوته في عملية تحد “هاقد عدنا ياصلاح الدين”.
مثلا، من يصطدم نظره بتمثال الحرية الشهير في الولايات المتحدة الاميركية، لا بد ان تأخذه مشاعر واحاسيس ما بأن هذا البلد الذاهب إليه يجسد معناه. اقواس النصر المرفوعة في بلدان ما تؤرخ لفعل وطني ما ان تراها حتى تتذكر ارتباطها بمغناها.
من منا لا يتخيل تاريخ الفراعنة اذا ما وقف امام تمثال ابي الهول أو الأهرامات الثلاثة الشاهدة على زمانها. في تلك اللحظة تبدأ قصة المهارة التي مهرت الفراعنة وجعلتهم اسيادها .. ثم لماذا يهتم العالم بالآثار عامة، كل اثر يترجم معنى وقيمة، مثلا بعد عشرات السنين ستتأمل اجيال من العراقيين بتلك الساحة التي امر بصنعها صدام حسين واقام عند مدخلها السيفين الشهيرين تخليدا لفهم بطولي عميق ليس في تاريخ العراق وحده، سيقال دوما ان بانيها فلان.
كثير من الناس لا ينتبهون إلى اسماء الشوارع الا لاسباب اضطرارية .. كما انهم ينسون احيانا بعض التماثيل التي يمرون قربها ولا يسألون عن صاحبها. قال لي مثقف ايراني تعرفت عليه في رحلة بالطائرة، انكم ايها العرب لا تحترمون كثيرا تاريخكم ولا تجسدونه في مدنكم حتى لو كان فكره ومواقفه ينسجم مع فكرنا ومواقفنا فكيف اذا كان العكس.

التعليقات معطلة.