زهير ماجد
ليست سهلة كلمة “أنا”، اذ لعلها صنعت التاريخ .. هو الفرد بعملقته من يقود ويخترع ويكتب ويشعر ويصنع ويبني ويهدم ويرسم ويكتب أعذب الألحان.. هو الفرد الذي تنام فيه لغة الجماعة أيضا، لكنه تجربة ذاتية تستحق الإشارة إليها دوما لأنها الفعل الإنساني في خلاصة صورته.
الإنسان قيمة كبرى وهو فرادته .. عندما تأتي انتخابات ما تطل اهميته في تراكم الأفراد .. تبنى تلك الانتخابات صوتا على صوت .. اسما على اسم .. حين نقرأ عن القادة الكبار نذكرهم بالاسم فردا فردا .. وحين نذهب إلى الإبداع تتراءى لنا حتمية الفرد فيه، لأنه المؤلف الشخص الذي قام بالكتابة أو بالرسم أو بالنحت أو بالشعر أو بالتأليف الموسيقي أو … لائحة لا تنتهي من الأفراد الذين يقدم كل منهم عالمه الإبداعي ليحمي تطور الإنسان بشكل عام، ولكي لا تظلم البشرية في أدائها الإنساني.
عندما تساءل المتنبي العظيم عن نفسه قال فيها “يقولون لي ما انت في كل بلدة وما تبتغي “فكان رده” ما ابتغي جل ان يسمى” .. احساسه بذاته جعله يترفع إلى مستوى لا يمكن الوصول إليه. هي حالة المبدع عندما يتعرف إلى ذاته فيراها فرادة بين الأصوات، قيمة لا تضاهى .. ألم يصل بالمرء احيانا إلى عشق نفسه فيصبح نرجسيا كما سموه، او يدعي الألوهية كما فعل الحلاج مثلا .. او يقرر ان يحتل العالم وهو ما زال جنديا في الجيش كما كان حال هتلر في صباه وقبل ان يتزعم الحزب النازي، أو يتفتق وجدانه الشخصي من حرب لعينة اكلت موطنه فيرسم لوحة من أعظم اللوحات التي خطتها يد فنان كما فعل بيكاسو في غرنيكا، أو يتحول إلى فرد عملاق رأيه يأخذه إلى الموت لكنه يصر عليه كما فعل غاليله حين اصر على ان الأرض تدور حول الشمس وهي كروية، وحين تجرع سقراط السم دفاعا عن مبادئه وإثباتا لموقفه الفلسفي .. بل حين اصر تشي غيفارا على تحويل افكاره الثورية من اجل الانسان فمات من اجلها ..
كثيرة هي الشواهد التي تثبت دور الفرد في الجماعة، يمكنه ان يقول بصوت عال انا التاريخ، كما هو حال القادة الكبار الذين نقول انهم صنعوا أوطانهم، ومنهم من صنع الأحداث، وأعظمهم، من اسس بلادا وراح فيها يقدم الأدلة الدامغة على صناعته.
لكل هذا، نحن نقرأ في كتب التاريخ اسماء صنعت، وحوادث صنعها الإنسان من عندياته. كلها بمضمون فردي تحولت إلى لغة الجماعة. الفكرة مثلا تبدأ من واحد، وفي لغة الأوطان، الواحد يقود، مهما سمى مفهوم الديمقراطية، فإن علامات الفرد فيه واضحة لا تشوبها شائبة، وهو بالتالي اعلم من يعرف عن انتقال افكاره إلى لغة الجماعة .. عندما جاء قادة الأقاليم لشكر بسمارك على دوره في توحيد بلادهم المانيا، قال لهم يجب ان تشكروا سكة الحديد التي هي حققت الوحدة .. كان الوحيد الذي يعرف مفتاحه الحقيقي في اللعبة التي ادارها ليصنع وحدة بلاده.
العالم افراد، والفرد بشري، فيه كل الصفات البشرية البيولوجية والنفسية والعضوية وغيره .. أحيانا يولد المرد قائدا، ودائما يكون الفرد موهوبا كي يتفتق عنه ما سوف يصل إليه اذا ما عزز تلك الموهبة ونماها بالطريق الصحيح، الا العبقرية فليست مشروع ولادة، بقدر ما هي تصنيع ذاتي وتعب وتراكم خبرات.