زهير ماجد
لي أصدقاء كثر من فلسطين أعتز بهم وبصداقتهم وبانفتاحهم الفكري وقدراتهم فيه .. وأنا من جهتي أعتز بفلسطينيتي التي هي خياري رغم هويتي اللبنانية .. لا بد لكل عربي وكل معذب في العالم أن يكون له انتماء لفلسطين بل هوية أخرى .. هذه الفرحة التي ترسل أشعتها من العينين كلما فعلها فلسطيني في مكان ما من فلسطين ضد إسرائيلي، هي تمازج روحي، صلة وصل بين عقلين يشكلان واحدا ..
لا يقتل الفلسطيني عدوه التاريخي انتقاما أو ثأرا فقط، إنه ينفذ مشيئة ما هو في صدره من غلالة تاريخية ضد مغتصب لوطنه .. هذا التنامي في الإحساس يكبر مع الأجيال سواء تلك التي هاجرت ظنا منها أنها ارتاحت، لكنها اكتشفت أن فلسطين تلحقها أينما كانت أو اختارت من عالم بعيد أو قريب. فكيف ينجو الفلسطيني من فلسطينيته؟ كيف يخرجها من صدره وهي تعايشه منذ أن يكون جنينا، لا بل ترضعه أمه همسا كلمات تنطقها بتلك اللكنة الفلسطينية التي يفهم جدواها، ثم يعيشها في مرحلة شبابه..؟ ثم ماذا يفعل القهر المتراكم لدى الفلسطيني؟ لعله تدريب للذاكرة أن ثمة أرضا له، وطنا، يعيش في عقله اليوم لا بد أن يعيش فيه غدا.
الصبر الفلسطيني على الألم تجاوز السبعين عاما، ليس مهما .. وليكن سبعمئة، سبعة آلاف، سبعمئة ألف، التاريخ لا يحكم بعدد السنين بل بالإنجاز، ويحكم أكثر كلما قدمت أجيال وراء أجيال ما هو مطلوب منها أن تفعله كي تظل الشعلة وقادة .. الخيار الوحيد أن يظل الدم ملك الأرض النداهة .. ليس من يسمع صوتها سوى الفلسطيني ومن ارتبطوا به ومن صاروا منه وله.
في مرحلة العواطف الجياشة يستسلم الشاب الفلسطيني إلى خيار يبدو هو التعبير المثالي عن إحساسه بما في صدره .. من نفذ عملية أرئيل شاب ممتلئ الفتوة دون أن نعرفه أو نراه، بل ممتلئ بفلسطينية لها قدرة شعب بكامله .. إنه مرسل من تاريخ قادم لإضافة شروط على النضال الفلسطيني في شتى الميادين. لا بد من تناغم بين الأشكال التنفيذية للفلسطينيين، فكلها ثورة، وكل أشكالها عيون تترصد أجمل التاريخ كان غدا كما يقول الشاعر سعيد عقل..
نحن دائما في أول الطريق عند كل ظاهرة فلسطينية، طويل هو المشوار ولن يخلو من مرارة لكنها العذوبة في الخيار .. فوق كل فلسطيني دولة من مخابرات ومن جيش بكامله .. صنع الجيش الإسرائيلي ليكون عدده الكبير، سواء في الجيش أو الاحتياط ضد كل فرد فلسطيني .. عند كل عملية فردية لفلسطيني يستنفر جيش بكامل عدته، تخرس أصوات، تكثر الاجتماعات الباحثة عن ردة فعل إسرائيلية، لكن لا أمل في أي منها، فبعد البطولة في التنفيذ الفلسطيني يصبح ردة الفعل الإسرائيلية هراء، غطاء لعجز، مجرد لعبة في وهم.
هي صحوة الدم الفلسطينية التي لا يعرفها الإسرائيلي لكنه اكتشفها مع الوقت حين خانته نظرياته من أن الأجيال الفلسطينية سوف تنسى فلسطين .. هي أكثر من يتذكرها، وهي أكثر من يرتبط بمواعيد معها .. وهاكم الدليل الذي يفاجئ كثيرين، لكنه لا يفاجئني، فأنا مقتنع بأن فلسطين تنتج أبطالها وتصنع لهم مواعيدهم، وصولا إلى اليوم الذي سيصل فيه الإسرائيلي إلى باحث عمن يطفئ أنوار مطاره وراءه، بمعنى أنه لن يبقى أحد في ذلك الكيان.