زهير ماجد
جاء يودعني .. قلت إلى اين : قال إلى لندن .. صدقوني انها المكان الذي احمله مسؤولية آلام امتي، لذلك اكره اسمه او الذهاب إليه. هذه الدولة عرّضت تاريخنا كله الى ابشع مراحله المعاصرة. من وعد بلفور الى الاتفاق مع اليهود حول سيناريو انسحاب جيشها من فلسطين، الى المخطط الكامل لاحتلالها من قبل الصهاينة، وبعدها لا اعتذار ولا احساس بالذنب، بل جاء هذا الكاذب طوني بلير وامام برلمانه ليؤكد ان العراق يمتلك اسلحة دمار شامل، فهو بالتالي يتحمل مسؤولية الخراب الكبير الذي ضرب العراق ومنه الى المنطقة اليوم.
كلهم علينا بكل اسف، يحللون دم العربي، منذ ان جاؤوا في حملاتهم الصليبية طمعا فينا وبكنوزنا، ومع ان بعض احفاد من قادوا الحملات تلك اعتذروا، الا ان شيئا لم يتغير ولن .. هم موهوبون فرحا بآهاتنا المعذبة، بشهدائنا، بخراب مدننا وقرانا واريافنا، يتلذذون بسحقنا، ومن المؤسف ثمة من يرى في بلادهم الجنة الموعودة، الكذبة التي يصدقها، وبعضهم من يتحدثون عن الاستعمار وقواه القديمة والحديثة، وكما يقول فرانز فانون، ان اكثر المغرمين بدول ذاك الاستعمار هم “ثوار” العالم الثالث، وهم اكثر المسافرين إليه بلا انقطاع.
تلك الدول الاستعمارية لم تنشئ اسرائيل فقط، بل ضحكت طويلا علينا، ومارست كل انواع التكاذب .. وها هي دائما اصل المشكلة واصل الحل .. أليس كل ما مررنا به من ازمات واحداث من صنعهم، لنترك ما جرى في التاريخ وهو كثير، ولنذهب إلى المعاش منذ سبع سنوات، أليسوا هم اصل مشكلته وهم صانعوه ومخططوه، وثمة من يدفع اثمانه من هم من جلدتنا.
وبصدق العبارات المحزنة، فهؤلاء لم يتركوا قامة عربية عروبية الانتماء والممارسة ووطنية ايضا الا وحاربوها، وضعوا اسرائيل لهذه الغايات، تفاهموا معها على دورها الذي ينبغي ان تلعبه، وهم الأصل في كل التكوينات التي اضرتنا وعمقت حالات التخلف .. ودائما همهم عدم تقارب العرب، ومجرد كلمة الوحدة العربية تشتعل النيران في رؤوسهم، واذا خرج من بيننا عالم اشتروه او قتلوه، واذا تقدم قطر عربي تآمروا على تكويناته .. دائرة الممنوعات التي يجب ان نلتزم بها عديدة والا فالانقلاب والتغيير والقتل هو حلالهم.
هكذا اخبرت صديقي المسافر إلى لندن وانا اشير إلى سوريا والعراق وليبيا واليمن وقبلها الى لبنان، ولا ندري ما بعدها .. أليس من صلبهم من قال وهو كيسنجر ان صداقة اميركا مشكلة وعداوتها كارثة، فماذا يفعل العرب في الحالتين سوى جني الأزمات التي لا تنتهي .. فلماذا احتلوا العراق وجاؤوه من آلاف الكيلومترات، وماذا يفعلون اليوم بسوريا ويتضامنون على قتلها، وماذا فعلوا بليبيا وبكل المهانة التي لم ينتبه إليها عربي قتلوا رئيسها وبطريقة لا يمكن غفرانها، بل اعدموا صدام حسين في اقدس الأيام عند العرب والمسلمين في عملية تحد لهم لامثيل لها.
كيف يمكن غفران تواريخ كارثية نزلت بالأمة، منها ما نذكره وما نقرأ عنه في كتب التواريخ، ومنها ما نعيش يومياته ونلمس عن كثب مسؤولياتهم في كل مايجري، وثمة من يظل يصافحهم ويحلو عيشه معهم.
هكذا اضفت إلى الصديق الذي بادرني بعد كل ذلك إلى القول، وهل عدم ذهابي إلى لندن سيغير من هذا الواقع الذي تذكر تفاصيله .. ؟! .