باختصار : اشتقنالك

1

 
زهير ماجد
 
دائما يستيقظ ولا يأتي .. كلما نزل وجع بامته تحركت قامته، لكنه لايأتي. لا اعرف من يخبره عما يحصل، لكن المؤكد انه يعرف .. لكنه لن يأتي.
كل صباحات القاهرة امس كانت على موعد مع الذكرى المئوية للزعيم الاستثنائي جمال عبد الناصر. ظهر خياله في سماء النيل، عاد يعانق بلاده التي عانقها حتى ذبل عمره القصير فيها .. ظنوه سوف يأتي ولم يعرفوا انه حرس مصر في حياته ويحرسها اليوم وغدا.
لم تدعه الاحداث الكبرى في المنطقة الى هدوء نومه وهو الذي لم يتعب من مشاوير الوطنية والقومية. عرف كيف يلم امته دائما، ومن ثم تزعم افريقيته، وصار نجم العالم يوم هندس مع تيتو ونهرو مفهوم عدم الانحياز.
لكننا اشتقنا له، تعبنا من انتظاره ونحن نعرف انه لن يأتي رغم ان صوته مازال يملأ آذاننا، وما زالت ذاكرتنا تلتحم بضحكته البريئة، وما زال لقامته اثر في متابعة التمتع برؤيته.
واشتقنالك ايها الاستثنائي الذي مازالت اياديك الطاهرة وقد وزعت في مصر ماتركته لها، من امل علم وصحة وتربية وكرامة وعمل عند اهلها، وما زال هنالك السد العالي يشهق كلما حانت ذاكرته ساعة ان وضعت اصبعك ومعك خروتشوف للبدء به.
مااجمل القاهرة حين كانت تعرفك شارعا شارعا .. يتذكرك ابن الريف الذي كرمته بالكهرباء، ووضعت له مشافي لم يرها طوال عمره، ورصفت له الطرقات، وامنت له اولاده في الجامعات .. كان يغني دائما اسمك في صوت عبد الوهاب وام كلثوم وعبد الحليم وفايدة كامل وشادية ومحمد قنديل .. هو بالاحرى كان يغنيك فانت معبوده الاحلى، انت النعمة التي هبطت عليه فاخرجته من قبو الزمان الى مساحة الحلم الاكبر.
زعيم كنت وليس مجرد رئيس .. دربت جيلنا على مفاهيم وافكار تبدأ بوحدة العرب، ولا تنتهي بالاكتفاء الذاتي، وبعلم التصنيع الذي مارسته مصانع من كل نوع .. وكنت الزعيم الذي هتف بنا ” ارفع رأسك يااخي ” ، وان فلسطين فلسطينك كانت، وانك في الازهر صدح صوتك الى المصرين والعرب والعالم ان مصر ستقاتل.. رحلت باكرا ولم يترك لنا القدر من يواسي اوجاعنا، فانتظرناك دائما لعلك تأتي، لكن لن تأتي.
هو الانتظار الصعب، والعمر لحظة ويمضي، نخاف ان نموت كي لانفقد ذكراك وصورتك البهية وصوتك الاخاذ .. فلماذا لاتأتي قبل غروب شمسنا، وكل مافينا نحن العرب يحتاج اليك.
فلسطين ليست بخير وكلماتك عن مقاومتها بانها انبل ظاهرة عربية مازال معلقا في ثوب الذاكرة فقط ، وسورية التي كانت امنيتك الوحيدة ان تعود اليها تغتسل بالتضحيات من اجل غدها، ولا تسل عن العراق وعن ليبيا وعن اليمن التي ارسلت جيشك انقاذا لهدفها النبيل ، كل العرب في تعب ياسيدي الزعيم ، لعلك تركتهم على موعد ، لكنه لم يأت ولن تأتي.
اشتقنالك ، لم يعد ينفعنا غير الشوق اليك، لعلها مناسبات النسيان من وجع الحاضر ومن آلام نعتقد ان الغد يجهزها .. أما زلت تذكر يوم قال في وصف مصر الشاعر صلاح جاهين جملته الاثيرية ” وزعيمك خلاك زعيمة ” ، اجل لانك الزعيم كانت مصر زعيمة، بل كان هو شعور كل عربي يلاحقك باستمرار على سعادة اسمك.

التعليقات معطلة.