باختصار: البشائر .. البشير

1

 
 
زهير ماجد
 
مع أن مشهد دمشق بين الرئيسين بشار الأسد وعمر البشير قد قفز إلى واجهة المشاهد والأحداث، إلا أن فلسطين عادت لتأخذ مكانتها الدائمة حيث الموقع الأولي لها.
زيارة الرئيس السوداني تركت وراءها فزورة حول توقيتها، مع أن الاستقبال الحافل البشوش للرئيس الأسد كان في ذروته، كما كان لا بد من قيادة عربية تكسر ذلك المحرم الذي فرض على سوريا من قبل من رفضوا التعاطي معه فرفضهم بالمقابل، أو الغرب الذي ضغط بقوة لمنع لقاءات عربية، إضافة إلى موقف جامعة الدول العربية التي أسقطت عضوية القطر العربي السوري، فكان أن أسقطت حضورها وهيبتها وعدم لزومها كمؤسسة جامعة، تحولت صاحبة تفريق بين العرب.
نفرح لسوريا كلما فرحت، تحتاج على الدوام إلى ما يمنحها فرصة للابتسامة .. عبوسها مؤلم وفأل غير مليح على كل العرب. كان الرئيس الأسد منشدا إلى أقصى فترات راحته النفسية، هكذا بدا، كسر المحرمات في زمن الحاجة إلى وجه عربي مقتحم من الضرورات القومية والوطنية، إضافة إلى كونها تعبيرا عن انقلاب سوف يبدأ بين من ترضى عنه دمشق أن يعود إليها، أو ترفضه فلا تسمح بدخوله جنات عاصمتها الطيبة.
يمكن لنا أن ننظم مدحا بما جرى بين الرئيسين والساعات القليلة التي أمضياها بين الكلام العام وبين الخصوصيات، وأعتقد أن الخاص غلاب في هذه المرحلة، خصوصا وأن البشير رئيس عربي ملم كثيرا بأحوال الدنيا ويعرف تماما كل التركيبات الدولية وما يصلح أو لا يصلح.
الصورة الفلسطينية إذن كانت حاضرة سواء في غزة التي صبت حشودها الضخمة في عين نتنياهو وربما كادت تفقأها.. في الوقت الذي كانت فيه الضفة الغربية على مواعيد صداماتها، بعدما تحول الزمان، واختمرت قواعد المقاومة المسلحة فيها، على الرغم من السيطرة الأمنية الفلسطينية التي كانت في تنسيق تام مع الأمن الإسرائيلي.
اللقاء السريع إذن في دمشق بين الرئيسين السوري والسوداني لفتة مؤكدة إلى ما يقال وتعرفه العاصمة السورية أن الواقفين بالباب من طالبي الدخول إليها صاروا كثرا، وأن ثمة قنصليات وسفارات تعيد توضيب ما تحتاجه للعودة إليها .. فلقد أسقط الجيش العربي السوري كل العناوين التي جربت لإسقاط القيادة وترويع دمشق وتحطيم الشعب وتدمير الجيش والمؤسسات. انتهى هذا العصر وجاء آخر مختلف فيه حقائق مزروعة في قلب الشام منذ زمن بعيد ولا يمكن لأحد أن يغيرها أو يبدل فيها .. الكل بات على معرفة بأن سوريا خرجت من عنق الزجاجة، وهي اليوم في استراحة محارب تعيد النظر بالصورة المقبلة وأمامها قوى ما زال جنون العظمة يلعب في رأسها ويحرضها على المعاندة في البقاء على الثرى السوري.
لأول مرة تأخذنا بعض المشاهد العربية إلى راحة ضمير وإلى ابتسامات متتالية وإلى زرع لفرح لا بد أنه سيكون دائما .. البشائر بدأت بالبشير، وعلى ثرى فلسطين، مشهد يبدأ من رفح حتى الناقورة في جنوب لبنان، وكله عناوين موحية بأن زمان أول تحول .. فهل سيقتنع نتنياهو أم عنجهيته وغطرسته ستأخذه إلى محل آخر قد يرتكب فيه أخطاء، وهو الذي يتهرب من القضاء ليفتح في كل مرة حدثا يغطي فيه على الملاحقة القضائية.. لكنه في النهاية أسير الداخل، وأسير الخارج الذي لم يعد سهلا بعدما تغيرت صورته وراح إلى حيث يجب أن يكونه دائما؟

التعليقات معطلة.