باختصار : الحياة فقاعة صورها قبل أن تنفجر

1

 
 
زهير ماجد
 
مررت بمدينة النجف العراقية فاستوقفني محل للتصوير وضع في واجهته شعارا يقول “الحياة فقاعة صورها قبل أن تنفجر “.. تأملت ثم تأملت، يالها من جملة فلسفية، وحين تعرفت على كاتبها وهو صاحب المحل، اكتشفت عمق هذا الرجل وثقافته، وأنا من كان يعرف مسبقا أن العراقي يقرأ بالكوم كما يقول العراقيون، وكانت مجلتنا في بيروت تصاب بنكسة وخسارة عندما لا تدخل إلى العراق لأسباب رقابية.
لا أحد يعرف متى تنفجر الفقاعة، ونحن ندين لعالم منخور في أخلاقياته، موهوب بالقتل والدسائس كما تقول مي زيادة.. ومع ذلك تراه يخترع تمثالا يسميه مثلا تمثال الحرية كما هو الحال في أميركا، فنصاب بالصمت ونحن نرى أفعال الولايات المتحدة في الخارج منذ أن استقوت على اليابان وقبلها وعلى كوريا وقبلها وعلى فيتنام وعلى العراق وعلى أميركا اللاتينية وعلى لبنان وسوريا، على بقاع العالم قاطبة.
أما النصب التي تتمايز بتلك الروحية النابعة من أصالة تاريخ حصل، فهي مثلا تلك التي رسمها العبقري بيكاسو وسماها “غيرنيكا “، ملحمة لا شبيه لها في عصرنا وتحكي تدمير قرية بكاملها أثناء الحرب الأهلية الإسبانية.. ثم ذلك التمثال العملاق الذي يتحدى في مدينة ستالينجراد سابقا اليوم صارت فولجاجراد، التمثال امرأة بطول 112مترا تحمل سيفا لوحده 12مترا، وينطق بالصمود الأسطوري ضد القوات النازية التي دمرت المدينة أثناء الحرب العالمية الثانية.
لست هنا لأقدم موجزات عن النصب والتماثيل واللوحات المحكية، بل لأقرأ سطورا في التاريخ المتكرر الذي ترسله إشارات عدم احترام الإنسان للإنسان خارج مجتمعه وداخله.. أشد قسوة سمعته من الرئيس الأميركي ترامب وهو يهدد بتدمير كل كوريا الشمالية.. هذا ليس إنذارا، إنه حقيقة وقد تصير ذات يوم أو ساعة، الرجل ينام على أقوى قوة في العالم، لديها القنابل النووية التي كل منها تحيل مدينة كالقاهرة قاعا صفصفا.. فمن هو المجنون الذي يفكر بمقاتلة الولايات المتحدة أو تحديها سواء في عقر دارها أو خارجه، هي تملك الجغرافيا الواسعة، كما تملك الجغرافيا المتحركة في تلك الأساطيل وحاملات الطائرات وغيره، وهي في النهاية الأرض كلها كونها تضع جيوشها في أكثر نواحيها.ليت تلك الدولة العظمى تنتبه إلى قدراتها في الاختراعات التي أفاد منها الإنسان في شتى الميادين..
في حضرة هذه الأفكار المتداعية، تبرز أخرى تخص بلادنا العربية التي مازالت تدفع الدم من أجل طرد الشرور التي قامت على أرضها.. وهي شرور باتت معروفة وليس هنالك من يجهلها.فهل سترفع ذات يوم لوحات تشبه غيرنيكا، وهنالك فيها من القرى والمدن والأرياف ماتتجاوز محنة غيرنيكا عشرات المرات، فقد أودع الإرهابيون في سوريا وليبيا والعراق واليمن كل أحقادهم التاريخية ضد الإنسان والمكان والحجر والنهر والساقية والبيوت والشوارع والبنى التحتية أيضا (لا أحد يعرف لماذا).. ثم أنهم تلذذوا بل قدموا مواهبهم في عمليات القتل بطرق مختلفة ليثبتوا أنهم أصلاء في خيارات الدم.
فكم غيرنيكا نحتاج في مدننا وعواصمنا وريفنا وقرانا المهملة، وكم أنين سوف تتناقله الشعوب، فيما بينها لتقدم صوت العذاب الإنساني الذي لم يتوقف.. هنالك دائما صراعات مقررة وأخرى مدبرة وثالثة تحضر ورابعة يفكر فيها واضعوها وخامسة لابد منها وسادسة وسابعة وثامنة.. إلخ…. فلماذا لا تنفجر الفقاعة إذن؟!!..

التعليقات معطلة.