باختصار: الصورة .. عندما تصير كلاما!

1

 
 
زهير ماجد
 
العالم في عصر الصورة، وكم من صورة لعبت دورا أو تركت أثرا أو حرضت، أو ساعدت .. هي الفعل الذي لا يوازيه كلام احيانا، مجرد النظر إليها ينهال كلام كثير احيانا .. حين رأيت لوحة القتل التي رسمها الفنان غويا، اخذتني إلى ابعد من حركة فرشاة الرسام وهو يتأمل مشهدا يعيد رسمه كما وقع .. أو عندما يشاهد المرء لوحة “غرنيكا” يمكنه ان يقرأ فيها على الفور مفهوم الوحشية، وان رسامها بيكاسو اختزن صور البشاعة للحرب ونفذها رسما.
الصورة الأخيرة لشاب فلسطيني في جمعة غزة وهو يرفع العلم الفلسطيني وفي يده الأخرى مقلاع لرمي حجر، تبوأت المشهد الغزاوي، قرأها الغربي والعربي ورأوا فيها التجسيد الأصيل في التعبير عن مقاومة .. واليوم رأيت مشهد طفل وهو يرمي حجرا بطريقة سينمائية مدروسة تبعث الغبطة في النفوس .. ثم لا ننسى ذلك الطفل الذي وقف بوجه دبابة اسرائيلية وراح يرشقها بأحجار، وكم ولدت في نفسي تلك الصورة قوة الإنسان في لحظات شجاعة وطنية.
ادرك ان الصورة مقال شامل مكتمل الصفات .. وخصوصا تلك التي تحمل ايحاءات وتبعث التساؤل. تحرك وجدان العالم حين ظهرت صورة طفل صغير متوف ما زال في ثيابه وهو ممدد على شط البحر، كان المشهد بمثابة لعنة للإنسانية أو دعوة لتدخل رموزها من اجل انقاذ تلك الطفولات البريئة التي لم نعد نعرف اين تموت وتقتل، سواء حين يبتلعها البحر هربا، او خلال حرب عاصفة، أو هجوم لمسلحين لم يفرق بين الأطفال والكبار .. لكأنما صارت الأرض فخا للطفولة البريئة التي ليس لها اي دعم من اي مكان آخر.
وفي التاريخ صور حملت ايحاءات ايضا، معظمها تعبير عن اقل من لحظة، كبسة زر ويخرج المشهد على حقيقته من الكاميرا .. انما تظل مهمة المصور اشبه بالرسام الذي يصنع لوحته حركة فرشاة اثر حركة. انا مثلا ارعبتني صور عديدة من الحرب الاميركية على فيتنام، كتلك التي يصوب احدهم مسدسه إلى رأس رجل وقد قتله بالفعل، أو تلك التي ظهر فيها اطفال يهربون من جحيم الحرب وهم بدون ثياب ..
لكن الصورة التي لا تبارح خيالي، جسد تشي غيفارا ممددا وكان بالطبع مقتولا بعد اطلاق الرصاص عليه، لكن عينيه ما زالتا مفتوحتين، كأنما مات فيه كل شيء ما عداهما .. بل كأنه يود القول انه وهو ميت ما زال يرى بشاعة العالم ووحشيته في صناعة المآسي، ويرفض اغلاقهما.
اذن تنتمي الصورة المعبرة إلى عالم الحقيقة واللحظة .. فكم كلفت صور موحية اصحابها موتا سريعا من اجل لقطة اراد ان لا تعبر بدون أثر. لو اردنا ان نتحدث عن مجزرة مثلا، يكفي ان نعرض صورها بدون اي كلام. أو اردنا ان نفتح حوارا فقد تسهله الصورة احيانا .. من هنا غلبة التلفاز على حياتنا العامة، ودوره الكبير في خلق ثقافات وميول عند اجيال، بل التأثير عليها خلال عمرها كله .. انها الصورة التي تكفلت بهذا كله، ونكاد نقول انها تصنع شعبا جديدا، وثمة ذكاء بالتالي من اهل الإعلام الذين يعرفون قدرات الصورة في التأثير، على تقديم ما هو اشد تأثيرا، فكيف اذا تطابقت الكلمة والصورة، اذا تم اختيار الكلمات المعبرة عن كل لقطة موحية.

التعليقات معطلة.