باختصار: الكهرباء مقابل المياه

1

 
 
زهير ماجد
 
إذا صح ما قيل عن اللقاء الذي جرى في العاصمة الأردنية عمَّان بين الملك عبدالله الثاني ورئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري من طرح أعطاء لبنان كهرباء أردنية مقابل إعطاء لبنان للأردن مياها، نكون أمام أسعد الحقائق العربية القائمة على تبادل المنافع المتوفرة بين البلدين، وهو أمر نصت عليه منذ زمان بعيد كل أشكال العلاقات العربية ـ العربية، الأمر الذي يستند إلى علاقات الأشقاء، لكنه يحقق أيضا سعادة مشتركة بين الأطراف العربية.
كان الطموح العربي وما زال أن تزول تلك الحدود المصطنعة بين الأقطار العربية التي شكلت دائما مانعا أمام الهدف الأكبر وهو الوحدة النهائية. كم من الدراسات التي قرأناها في عز مراحل البحث عن الذات العربية، وكم نسجنا حولها من أمنيات وتطلعنا إلى ذلك التاريخ الذي نتحول فيه إلى أمة واحدة، لا ينقصها سوى الاستغناء عن المصالح الشخصية والخاصة، فيما كل ما يجمع العرب متوفر وبأقصى حدوده ومكوناته.
ويوم قامت الوحدة بين مصر وسوريا عام 1958 جاءت البشرى على ما تختزنه الأيام من تحقيق آمال انتظرناها طويلا، مع علمنا أن هذا التوجه مدمر للغرب ولإسرائيل تحديدا، وكنا نعلم أن سيل التآمر سينشط وهو ناشط بالأساس، وحين وقع الانفصال بين الدولتين، كان وقعه قاسيا لكنه كان متوقعا وطبيعيا، الوحدة من الممنوعات، والتقارب العربي يجب أن يتم في حدوده الدنيا وليس في الاستراتيجيات الكبرى التي توصل إلى الهدف الأكبر.
إذن ليبدأ العرب بترجمة التبادل فيما بينهم، الناقص هنا مقابل الزائد هناك، فلربما يتحقق الاكتفاء الذاتي، والذي هو أيضا من الممنوعات، إذ يجب دائما الاعتماد على الغرب، الجزء المهم من مشكلة سوريا أنها كانت في مرحلة اكتفاء على الصعيد الاقتصادي والمالي والزراعي وحتى التجاري وفي حدود ناجحة الصناعي ..
اليوم يجيء طرح أخوي بين الأردن ولبنان، الأردن لديه فائض كهربائي كما فهم رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري من الملك عبدالله الذي يعرف أن لبنان يعوم على الماء التي تذهب بأكثرها هدرا. فهل تحقق تلك المقايضة السعيدة بين الشقيقين بعضا من تبادل المنافع العربية واستخدامها من أجل سعادة شعبيهما وليكن من أجل رفاهيتهما..؟ وأعتقد أنه الصواب في الطرح الأردني اللبناني، ثم لماذا لا يستتبع بمبادلات أخرى؟ إذا كانت الوحدة العربية من الممنوعات التي تشكل خطرا على الغرب كما هو المفهوم السائد والذي نعرفه، فلماذا لا تقوم العلاقات العربية على منافع مشتركة وهي كثيرة؟ ولماذا لا يتحكم العرب بحاجاتهم المشتركة، لعل أجيالهم الطالعة تتوصل إلى ما هو أثمن من ذلك؟
في الأسواق اللبنانية اليوم أدوية أردنية أثبتت فعاليتها، فلماذا لا يحول لبنان سوقه الدوائي للاستغناء عن الدواء الغربي، ومعظم العرب لديهم نشاط ناجح في صناعة الدواء .. والصناعة الغذائية؟ أليست من الآمال التي تخطر دائما على بالنا..؟ أشياء عديدة لدى العرب يمكنها أن تتحول إلى مساحات تلاقي.
أسعدتني فكرة الكهرباء مقابل المياه، لا مسافة بين لبنان والأردن، لا في الجغرافيا ولا في العلاقات الأخوية، وفي المحبة التي يكنها شعبا القطرين لبعضهما البعض. هي خطوة، وكم من فعل كبير يتحقق بفكرة، أو دعونا نتخيل ولنا الحق في أن نحلم، لعل البعيد يقترب.

التعليقات معطلة.