باختصار: اللعب مع الأجيال .. الشعوب

1

 
 
زهير ماجد
 
حتى الأجيال القديمة بأكثريتها الأمية كانت تفكر بحالها وبمصالحها إزاء دولها، فما بال أجيالنا اليوم، بل الشعوب وهي تعيش العالم كله من خلال جهاز صغير اسمه التلفاز يربطها بكل الحركات الجارية، وبالافكار وما تعنيه، مما يدفعها للتفكير بحالها واحوالها.
صار عالم الاجتماع من اسس فهم تطور المجتمعات لدى الدول المتقدمة، وعلماء النفس لدراسة الشعوب واحاسيسها وميولها وتناغمها او عدمه، وعلم الاقتصاد بكل درجاته وصولا إلى فهم طبائع الناس الاقتصادية، ثم معنى التاريخ كاستمرار .. تحتاج الدول كل هذه الاختصاصات وأكثر من أجل أن تتفاهم مع شعوبها واجيالها، وحتى تتمكن من فك الالغاز السياسية التي تتحول الى مطبات احيانا.
الجيل الحالي هو اخطر الاجيال تقريبا قياسا بما سبق، فهو عايش الاختراق الخطير للافكار التي حملتها المؤامرات الكبرى على دول عربية مازالت تدفع ضريبتها الى اليوم وربما الى امد .. اضافة الى تعلمه وتثقفه وقراءته للعالم بطرق مختلفة .. ليس من تاريخ ينتهي ولا نهاية له كما اشيع ، في كل مرة يكتب التاريخ استكمالا واستتباعا وليس توقفا بين مرحلة واخرى.
وهذه الاجيال لاتريد ان تبدأ من حيث بدأ السابقون، بل بتجاوز ماوصل اليه من سبقهم من جيل، بل بقفزة اكبر نتيجة سرعة الانجاز التي بلغتها البشرية وخصوصا في مجال العلوم والاتصالات.
كل جيل هو شعب جديد، له افكاره واحلامه وتطلعاته ومفاهيمه في شتى الحقول، وكله بدون استثناء يردد كلمة الحرية، ويمضغها حتى أثناء طعامه، ثم تهبط عليه كلمة الديمقراطية فيصدقها .. يفكر بالحرية على اساس انها انطلاق دون قيود مجتمعية، فاذا به امام قوانين لايمكن تخطيها عندها يحدث الاصطدام.
لابد من بث الوعي في مفهوم الحرية وفي معنى الديمقراطية كي لايخلط بينها وبين معنى الفوضى وماهو المسموح والممنوع في التعبير. تم وضع القوانين من أجل تنظيم حالة المجتمع ، والأولوية في ذلك لما عليه من التزامات للفرد ..
اذا قلنا ان العالم يتطور فنحن امام معضلة فهم التطور ومعانيه بمقاييس كل خصوصيات المجتمعات .. على كل نظام مهما كانت قوته وفتوته ان يدرس على الدوام حاجات المجتمع والفرد فيه من خلال عالمه، لكن دون نسيان روابط المجتمع بما حوله وبالشكل الذي تدار فيه الامور امام عينيه في الثقافات الأخرى.
كان يقال للسخرية ان بنطلونات الجينز والهوت دوك والهامبرغر فعلت فعلها في المجتمع السوفياتي، وكان بذلك تحريك للغرائز الانسانية اكثر منه معنى ثقافيا ما، وكان هذا القول يقود دائما الى ان الاميركي انتصر على السوفياتي بتلك المفاهيم المبسطة .. حتى مثل هذه الامور يجب التنبه لها، فكيف بالقضايا الكبرى التي تعني الجيل وتقوم الشعوب من اجلها في حراكات تعقد المشهد دائما ولا تحله لأن الغوغاء يتدخل في هذه اللحظة المناسبة له.
لابد اذن من اعادة النظر بثقافة الدولة وسياستها ومعرفتها لاحوال مجتمعها، واطلالتها على مؤثرات العالم الخارجي ، حيث التقليد الاعمى احيانا يتحول الى ذعر بين الناس والى مطلب، وتراه الاجيال والشعوب ثقافة يفترض تبنيها .
من المؤسف القول ان مايسمى بالثورات الثقافية فشلت لدى بعض من رسموا لها حراكا. لكن من المؤسف اكثر، ان بعض الدول تبدو دائما انها في واد وشعبها في واد آخر ، وهو اخطر الامور التي تبدو على السطح وكأنها هادئة لكن عوامل حراكها غير ظاهر للعيان.

التعليقات معطلة.