زهير ماجد
كيف يمكن لعالم يدعي حقوق الإنسان أن يرى مخيمات بائسة للفلسطينيين في لبنان وسوريا والأردن وفي غير مكان ولا يسأل عن سبب إقامة هؤلاء في هكذا سكن مزرٍ..؟!
لا بد من تفجير كلمة لماذا كي تفعل فعلها في عقل العالم الذي يرى ولا يسأل، بل لا ينفعل طالما أن حياته في أمان اجتماعي واقتصادي .. فلماذا هؤلاء الفلسطينيون يسكنون حيث بيوتهم لا بيوت، وشوارعهم زواريب يصعب مرور حتى الفرد منها، ومع ذلك يبتسمون في وجه له قسمات الغضب الأبدي؟ لماذا لا يبحث العالم عن سبب الغضب أيضا في الوجوه التي لم يسألها أحد عن سببه، وإن كانت قدمت نفسها إليه ذات مقاومة، لكنه نسي بعدها أن يطرح السؤال مجددا.
دخلت مرات إلى بعض تلك المخيمات التي تبحث عن متنفس لها في صور قادتها، وفي الكلام الذي كتب على الحيطان التي تكاد أن تقع من ضعفها وهشاشتها .. كلما مر عام مل أناسه أكثر .. لم يسأل ياسر عرفات ولا قادة آخرون أحدا من أبناء المخيم عما إذا كان يمشي إلى جانبهم إذا ما أعلنوا المقاومة المسلحة، كل فلسطيني مهيأ وجاهز للمضي فورا ودون إبطاء في أي مشروع من هذا النوع .. القيادة الحالية تعرف هذا الأمر، لكنها تغلق بابه وهو ما يحدث هذا الاختناق أو السفر بعيدا.
المخيمات استمعت إلى الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله في لقائه الصحافي الأخير وكادت النسوة أن تزغرد لخروج مقاومين للقتال الفوري. من لا يعرف شعب المخيمات، يكاد أن ينسى أن لفلسطين جنودا مجهولين جاهزين للقفز فورا فوق حيطان بنتها إسرائيل حولها، والذي هو سجنها في النهاية.
القائد الملهم لا يعلم أحيانا بالغيب كونه يعرف شعبه وتركيبته الذكية في خياراته. المهم أن يظل يعلن النصر ويحققه كي تولد منطقة عربية أخرى، بل عالم جديد .. لكن ابن المخيم يسأل، ماذا لو شارك حلف الأطلسي بقوته الأميركية في الحرب مع إسرائيل التي توقعها نصرالله حين قال إن الأميركي والإسرائيلي يخططان لحرب، بمعنى أنهما شراكة فيها.
لا بد من انتحار سؤال من هذا النوع، طالما أننا نعرف من هي إسرائيل بالنسبة للأميركي والعكس .. في الأساس، فإن كل الحروب التي خاضتها إسرائيل كانت بخطط وأمر من الأميركي وبتنسيق معه، وحين وقعت الواقعة كما حدث في حرب أكتوبر 1973، تدخل الأميركي مباشرة لصالح الجيش الصهيوني وأمده مباشرة بحاجته داخل ميدان المعارك وليس في مكان بعيد عنها.
الكل يعرف أننا نقاتل أميركا وإسرائيل، والكل يعرف أيضا أن الأميركي صانع لمآسي العرب إن تبنى إسرائيل أو دخل هو على الخط مباشرة، وهو يدخل دائما ويحط ساعة يشاء، يضرب بالطول والعرض، ويصنع الفوضى، ومن المؤسف أنه حين يفشل كما هو وضعه في المنطقة اليوم تكون له أيضا يد الحل.
منذ سبعين عاما يسكن في ابن المخيم الفلسطيني ذلك الغضب الذي يتم توريثه من الكبار إلى الصغار، إضافة إلى امتزاجه بحس المسؤولية في معركة مصير فلسطين بأن يكون الطليعي فيها، والطليعي عادة أول من يصاب لأنه في المقدمة، ومع ذلك لا قيمة للروح بدون فلسطين التي هي الروح في النهاية.
تلك المخيمات إن حكت أفكارها التي هي أوجاع موروثة سوف تظل قائمة ما دام هناك ظل لطفل مرسوم على حيطانها المتداعية، والتي لا بد من اليوم الذي يرميها وراءه ليقول شكرا لكل عربي قال له أنا فلسطيني قبلك.