باختصار : ثمة ما ينصرنا على البكاء!

1

 
 
زهير ماجد
 
عندما يجوع أخي اليمني فيجب أن يتوقف العرب جميعا عن تناول الطعام، وعندما يبقى أخي الفلسطيني بلا وطن علينا أن نمزق هوياتنا، وإذا ما تقرر بقاء الأميركي والتركي في الأراضي السورية نتحول جميعا إلى مقاتلين في الجيش العربي السوري، ومع وحدة العراق نحلم بالوحدة الشاملة، ومثله مع وحدة ليبيا..
ليست الأخوة العربية مجرد كلام متطاير في الفضاء، ولا هي أناشيد محفورة منذ سني الطفولة، أو أغنيات عذبة تدفقت في الوجدان إبان العصر الناصري الذهبي في مصر .. هي إحساس نبلغه كلما تعمقنا في حركة التاريخ وتطلعنا إلى الخريطة الممتدة بهذه الطريقة المتراصفة بين قطر عربي وآخر .. ومنذ أن كونت أرضنا تلك المساحات فوقها، وجدت أرض العرب، ولم يكن بينها فاصل، ولا تحتاج لجواز سفر، كانت الكلمات المتشابهة تصل الروح قبل أن تصل الأذن، ويوم تحركت أولى سرايا المسلمين من مكة في بدايات الإسلام لمحاربة الأجنبي الجاثم على أرضنا كانت معركة مؤتة التي شهدت استشهاد ثلاثة من كبار القادة تعلن الومضة الأولى في وحدة الأرض تحت سقف واحد .. كان القادة دائما في أوائل المحاربين من أجل حرية بلاد العرب، إنها الطريق لصنع التوازن في الجسم البشري وتحقيق سلامته.
تمضي الأعوام وتتغير وتتبدل، لكن شيئا واحدا ثابتا هو الجغرافيا التي لا تتحرك ولا تتغير ولا تتبدل .. نعيش جميعا فوقها ونموت جميعا لندفن فيها، جغرافيتنا العربية ولدت كي تكون لحنا عربيا جامعا، ومع ولادتها شهدت الإنسانية محطة كبرى في تاريخها وهي الإسلام الذي حضر في أصقاع الأرض، ليكون وجها حضاريا في الأندلس، مدرسة كل المعرفة والعلوم والفن والثقافة.
أعتقد أن الأرض نطقت أولا باللغة العربية، فوق أحد الجبال في أرض سوريا كان هابيل وقابيل وهناك اقتتلا .. ولد الإنسان إذن هنا، ومات هنا، شجعته الجغرافيا على تضاريسها المختلفة أن يتنقل فيما بينها وأن ينعش روحه بمساحاتها وهوائها العليل .. ولهذا أغاروا علينا من كل صوب، جاؤونا من كل مكان كي يطردونا من جنتنا، كثير من الغزوات أرادت محونا كي تعيش مكاننا، هو الطمع بالمكان، هو الحلم بالكنوز، وهل هنالك أجمل من أن تكون في موقع العرب وفي حضارة العرب. حل الإسرائيلي لكنه لم يتمكن حتى الآن ولن يتمكن، كل من جاءنا غازيا عاش عمرا على حافة الهاوية ولم يتمكن من العيش بسلام، كلهم ظنوا أن أهلنا الأوائل سيغادرون لكنهم تفاجأوا بمقاومات تناقلتها الأجيال، وما نراه اليوم منها ليس سوى صدى لتلك الأيام التي كانت بشرى لنا، محركا ومحرضا.
الأعلام القطرية المنوعة التي اخترعناها تشكيل جميل، لكن الأجمل هو العلم الموحد الواحد الذي كم تمنينا أن نصله ذات وحدة بدأت بين سوريا ومصر لكن الآخر المريض بوهم الغرب فعلها حين استفقنا على انفصال بغيض، لم ينه فقط تلك الوحدة، بل داس على الأمل الذي يعيش في أرواح الأمة، ويراودها كل صباح مع لحن فيروزي، وفيروز كما نعرف سوف نجدها في كل إذاعات العرب الصباحية وفي محطاتها الفضائية، ليس لتطربنا أو لترطب صباحاتنا، بل لتنقل إلينا اتفاق الجمع العربي على خيارات موحدة الذوق والهدف.
سوف يتغير هذا الواقع الأسود المخيم على النفوس .. وفي كل حين ستبقى الجغرافيا العربية محرضا على التواصل ثم التحابب ثم التوحد، ولن نبكي بل سنقاتل من أجل هذا الهدف الأثمن.

التعليقات معطلة.