باختصار: عالم بلا أميركا!

1

 
 
زهير ماجد
 
كنت أود الكلام عن اسطنبول التي أفرغت ما في روحها من حقيقة سوف يبنى عليها الكثير في مستقبل أردوغان وحزبه .. من يقرأ تاريخ تركيا يعرف كيف كانت نهايات حكامها، وخصوصا إبان المرحلة العثمانية.
تهمنا تركيا لأسباب سورية وعراقية .. لما ارتكب من فواحش تركية بحق القطر العربي الأول، بل كل المسؤولية الجرمية التي يتحملها وحده. لا نقول ما شأننا والأتراك، لكننا نود توجيه الكاميرا إلى الأحداث الكبرى أيضا، والتي تغمرنا بخوف على أخطاء قد تقع فتؤدي إلى كارثة في الخليج.
منذ الإضافات في البوارج البحرية وحاملات الطائرات والكلام الأميركي القاسي والمهيج لأعصاب كل الأطراف، والمنطقة على توترها الشديد .. ماذا تطلب من دولة ترى دولة عظمى جاءت من على بعد آلاف الكيلومترات وقد كشرت عن أنيابها وعلى وجهها علامات التحدي والإصرار على الفعل، سوى أن تفعل ما تفعله إيران من تهدئة نفوس، لكن على كثير من الكبرياء والأنفة وعدم الخوف؟ الأميركي لاعب ماهر يتقن لعبة حافة الهاوية بإرادة حديدية كونه يملك القدرة، ولديه شعور بأن العالم ملكه، وإلا لما حاسب الصين العظمى أيضا وروسيا الكبرى، وأوروبا الناعسة برأيه .. فلا يبقى بعدها سوى أن يتطلع إلى الشرق الأوسط ليراه بحيرته، موقعه الذي يعطيه العظمة والحضور المدوي. هو يريدها مدوية لكي تظل إرادته تتحكم بالمصير وبالعباد.
عالم بلا أميركا قد يبدو جميلا، لكن من يخترع اختراعاتها .. قد نجد الفرص عند آخرين .. إذن، مشكلتنا معها في سياستها الخارجية، في إسرائيليتها، في معنى علاقتها بالعرب .. وخصوصا الأسلوب الذي يحاكي به الرئيس ترامب بعض دول الخليج.
هل ينجح عالم بلا أميركا؟ وهل يمكن العيش بدونها..؟ معها مشكلة، وبدونها مشكلة أيضا .. كان ثمة عالم يعيش حياة ولم تكن أميركا حاضرة فيه .. استطاع هذا العالم أن يبني حياته على ما هو متوافر، وما قدر عليه تمكن منه، واضطر إلى إيجاد السبل لتمكين حياة أفراده من الاستمرار فكانت الاختراعات التي حققتها أوروبا مثلا على أيدي جهابذة من علمائها.
لكن الدنيا تطورت، في المعنى الأميركي اتخذت شكلا مختلفا، وفي النمط الأميركي صار هنالك أمركة لأساسيات الحياة البشرية .. لماذا الدولار سيد الكون.. وفي مواجهته كل عملات الأرض التي تبدو مجرد ورق لا قيمة له، فيما العملة الخضراء ترن في حياة الناس ولها معنى وجودهم الاقتصادي والإنساني والاجتماعي… إضافة إلى اللغة الأميركية التي صارت أيضا لغة العالم؟
مشكلة أميركا إذن إسرائيليتها حتى كأنها التابع لإسرائيل بلا منازع .. وأما العرب فليسوا سوى نفط أو مصدر له ثم مال يجب أن يغدق على الأميركيين، وهذه إضافة على اهتمامات أميركا بالشرق الأوسط، فصار لدينا: إسرائيل والنفط وأموال العرب التي تريد تقاسمها بينهم وبينها.
مشكلة الامبراطوريات الكبرى أنها تأخذ وقتا طويلا لتبدأ في النزول عن الشجرة، ولتبدأ دورة التاريخ من جديد بانقلابه عليها. فحتى تلك السنوات، سنبقى ندفع الأثمان في الشرق الأوسط، نقاوم هنا أو نقاوم هناك، لكن الحضور الأميركي لن يتراجع بل سيزيد، وكلما فتحنا شهيتنا أمامه للكبرياء الذاتي والاستقلالية زاد من عنفوانه ومن تكشيرة أنيابه.

التعليقات معطلة.