مقالات

باختصار: عد لبلادك واقرأ تاريخ المنطقة

 
 
زهير ماجد
 
ذات تاريخ من ثمانينيات القرن الماضي، قال الرئيس الراحل حافظ الأسد لأحد المسؤولين الأميركيين الذي التقى به في دمشق على هامش الوضع اللبناني المتأزم يومها، أن عد إلى رئيسك واقرأوا جيدا المنطقة العربية لكي نتمكن من التفاهم.
من المؤكد أن المسؤول الأميركي الذي سمع كلمات الرئيس الأسد الأب، سخر في سره، فلربما لا يفهم الأميركيون التاريخ لأن صلتهم فقط هي بالحاضر وبالمستقبل إن جاز لهم دراسته. ثم لا شك أنه عاد إلى بلاده وأسمع رئيسه جملة الأسد فكانت ابتسامة غريبة تنم عن حالة تعجب .. صاحب القوة الزائدة لا تهمه كلمات من هذا النوع، ولا تفعل فيه أية ردود سوى أنه يسمعها كجملة منسقة.
منذ ذلك التاريخ لم يتغير الأميركي، وكان مفهوما أن لديه خططه التي لا يريد مراجعتها تحت وطأة جملة قيلت وتبخرت، حتى وصل به الأمر إلى احتلال بلد عربي كبير ومتمايز هو العراق .. فإذا به أسير أيام ودقائق وساعات من مواجهة المقاومة العراقية التي لاقته في كل مكان على أرض العراق، حتى تجاوز قتلاه أكثر من أربعة آلاف وجرحاه أكثر من عشرين ألفا وما زال بعضهم إلى اليوم يخضع لأطباء نفسيين.
ورغم ذلك ظل الأميركي كأنه يكتشف المنطقة العربية من جديد .. تجربة وراء تجربة، وفي كلها كان يمارس حضورا لولا تلك المنطقة لنسي العالم أن هنالك دولة عظمى اسمها أميركا كما كان يقول الصحافي المصري محمد حسنين هيكل على وجه التقريب.
يسألني أحدهم عن هذا الحنان الزائد للرئيس الأميركي مع الرئيس الكوري الشمالي، فيما كلامه القاسي موجه إلى العرب وإيران، وكذلك حركته العسكرية والسياسية..؟ لماذا العرب يعاملون بهذه الطريقة، ابتزاز مالي، تهديد، نظرة استعلائية، تدابير لم يرتكبها أي رئيس أميركي وتنم عن فهمه للعرب وكأنهم بلا قوة ولا حضور إنساني؟ يضع إمضاءه على اعتبار القدس إسرائيلية ثم يأتينا بصفقة القرن، يغلق مكتب منظمة التحرير في أميركا، ويريد مساعدة الفلسطينيين كما يدعي، يتوقف عن دعم مالي للأونروا، دون أن ننسى موقفه من الجولان .. لكن الأنكى أن ردود العرب المنقسمة، منهم من يربت على كتفه قابلا بفرح، ومنهم من يتابع عبر تعليق يمر مرور الكرام دون أدنى تبعات فيها تلويح بعزة نفس أو قوة حضور؟!
فهل جملة الرئيس الراحل الأسد لأحد المسؤولين الأميركيين لا معنى لها سوى أنها من قبيل الادعاء بقوة الحضور العربي في التاريخ، أم أن الإصغاء الأميركي غير مكترث لهذه الأمة التي يراها مجرد أسماء بمساحات جغرافية ليس إلا، وأنها لا تشكل شيئا في اهتمامه، وأن أهمية الشرق الأوسط بالنسبة إليه وجود إسرائيل فقط.
وليسمح لي الأهل في سوريا بسؤال تكرر على شفاه كثيرين: أليس الصمت السوري على الضربات التي توجهها إسرائيل شبه يومي إلى الداخل السوري سوى صورة لحالة الإذلال التي بلغها العرب وتحولهم إلى مستهلكي كلام يتردد دوما أن سوريا هي من يملك التاريخ والزمان للرد؟ ومتى سيأتي هذا الرد العجائبي الذي خذلنا في كل مرة وأوجعنا عدمه، وبتنا لا نعرف أن نجيب عن أسئلة السائلين حين تشييع ضحايا الصمت السوري الغريب.
من حق الأميركي إذن والإسرائيلي أن يسقطا جملة الرئيس حافظ الأسد الذي من المؤكد أن عظامه تهتز كلما فعلتها إسرائيل وسكت السوريون.