باختصار: كله تجريب للفوضى!

1

 
 
زهير ماجد
 
ليس عبثا أن تتحرك الجزائر، وأن لا تقف التظاهرات في السودان بل تتعاظم، وأن يحتدم الصراع في ليبيا، وأن وأن… ففي الجزائر بات الفرق كبيرا بين جيل “جبهة التحرير الوطني الجزائرية” وبين أجيال، فصار المفهوم أن الجيل الحالي الذي شرب من معين الاستقلال وما تلاه، يعمل على التغيير، كل جيل هو شعب جديد بمفاهيمه وأفكاره وأحلامه وحتى خياله، ما تحافظ عليه الأجيال الجزائرية كلها السابقة واللاحقة أن فرنسا استعمرتها طويلا ويجب الانتباه إلى حوادث التاريخ المقبلة ..
أما السودان فقد نضجت حلقاته، ولا يبدو أن في الأفق مسامحة لبقاء الرئيس، لكن المشكلة في المعارضة التي ليس لها مكان في الشارع السوداني، فهل يبقى الجيش هو الحكم النهائي؟ وهل هنالك جنرال بحجم سوار الذهب ليس طامعا بالحكم لكنه يريد إراحة الشعب من متاعب صراخه اليومي؟ السودان بركان لا يمكن إطفاؤه كما لا يمكن السيطرة عليه.
وفي ليبيا صراع لم يكن صراعا، أين الصورة القديمة الحديثة للرجلين اللذين يتقاتلان واللذين جمعهما الرئيس الفرنسي ماكرون، فإذا بكل منهما جاء على مضض، لكن ما في صدره لا يعلمه إلا الله .. حفتر والسراج قصة جيل القذافي الذي لا يستطيع إلا أن يكون “قذافيا” إذا جاز التعبير .. الاثنان يصدران الأوامر، لكنهما أيضا يشكلان لعبة في ميزان الأيدي الخارجية، ألم يكتب أحد الكتاب العرب المحسوبين على دولة عربية “لماذا نحن مع حفتر”..؟
لا يستطيع المحلل إلا أن يرى عن بعد أن النيران التي اشتعلت في تلك البقاع وربما في غيرها القريبة منها، إلا أن تكون ضمن سيناريو الفوضى الخلاقة، ويا لها من خلاقة، كي تكتمل مشاهد العرب الهاربين إلى حالهم من حالهم .. يريدون صناعة التغيير، لكنهم يفعلون من أجل الغير ولحسابه.
في حسابات الفوضى تلك، يبنى عالم جديد له روح حالمة لكنه يهتف وينزل إلى الشارع دون علم بمن يحركه .. الحركة بركة كما يقال، لكن من يمكنه تصديق الصورة بأنها منزهة عن كل غاية. بالأمس تنتخب إسرائيل، هي تعيش على عداوة ومن أجلها .. تفتح يديها للبعض لكنها لن تفتح قلبها..
الأمة العربية كلها في المطب وكل يدفع فاتورة ما .. لكن الفوضى التي هبطت بهذه الطريقة المدمرة للبعض، قد تصبح نموذجا للبعض الآخر .. المحركون للفوضى يتنقلون بتجاربهم بعد أن يجربوها ليحصدوا نتائجها. باتت خبرة المحركين كبيرة، فهم أودعوها في تونس ومصر وليبيا والعراق وسوريا واليمن والحبل على الجرار، خبراتهم أنتجت خرابا ودمارا وموتا بالآلاف، بل بعشرات الآلاف إن لم يكن بمئات الآلاف .. لا يهم، المهم أن تنجح نظرية الفوضى وأن تعطي ثمراتها، كي تنتقل بين الأماكن المرصودة لهذه الغاية. سمعت أحد المسؤولين اللبنانيين الذين زاروا العراق مؤخرا أنه سمع من المسؤولين العراقيين أن أول عائلة قد تعود لتسكن الموصل لن يكون قبل خمس سنوات على الأقل هذا إذا بوشر اليوم قبل الغد عملية البدء بالإعمار .. فما بالنا بالمدن السورية المدمرة ومشتقاتها.
فليجربوا ما يشاؤون بنا، تخريب العقول لن يتمكنوا منه، ومفهوم العدو لن يتنازل عنه أحد وسيظل الهدف الأول والأخير.

التعليقات معطلة.