باختصار : ماذا بقي لنا ؟

1

زهير ماجد

أحيانا وربما دائما يكون موت مرحلة، موتا لكل ماسيليها .. صحيح أن الشعوب تبتدع وتخترع ، لكنها أحيانا تصاب بالضمور إذا لم يكن هنالك مايفجر فيها الطاقات المناسبة ..
فبعد المرحلة الناصرية لم نعد نسمع أغنية وطنية لائقة ، أو نشيدا له عنوان بعيد المدى .. وبعد مرحلة المقاومة الفلسطينية لم نعد نسمع كلاما يفيض بالصمود والقتال والحرية والشهادة … بل حين سكتت فيروز ، وسكت الرحبانيان الكبيران، اصيب الغناء الوطني ذي البعد القومي بصدمة السكوت أيضا.
فماذا فعلت ياعبد الناصر حتى فجرت مكامن الكلمات القنبلة والأصوات الهائلة والموسيقى الطالعة من روح الشعب .. كيف صاغ صلاح جاهين وآخرين أجمل الإبداعات الوطنية على مقاس اصوات لها مقامات مثل ام كلثوم ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وغيرهم .. وكذلك الحال في السينما الملتزمة ، والفنون عامة التي بلغت مرحلة النضج والعطاء .. وكذلك حال الكتاب الذي صار كثيرا وبالمجان تقريبا . يالها من مرحلة غنية ، بعدها لاشيء ، لاعنوان ، لاهم ، ولا اهتمام ولا عطاء .. جفت الكلمات ، وذهبت الأصوات إلى ربها فكان ذلك خدمة لها كي لاتقول الهشك بشك، وكل الفنون الاخرى نامت نومة اهل الكهف.
وماذا بعد فيروز التي غردت في الشاميات، هاتوا لنا اليوم مغنيا او ملحنا او كتاب كلمات يمكنه تقديم الشام كما فعل شعر سعيد عقل وصوت فيروز ولحن الرحابنة. كلما أردنا ان نزين اللحظة نذهب الى فيروز فتبكينا، تقول في الشأميات عناوين مكتوبة على جدار قلوبنا ، تفتح فينا الامل ، نتدرج نحو المزيد من النصر .. واذا اردنا فلسطين ، لابد من فيروز ايضا .. بعدها نامت الكلمات وتقاعس الاحساس الصحيح بما يجب ان يشبه المرحلة . ليس هنالك مانحتاجه في هذه الظروف السورية والفلسطينية والعراقية وغيرها من الحاجة الى فيروزيين . لكن على مايبدو العباقرة لايورثون عباقرة ، والابداع لايورث مبدعين ، هي حالة تأتي وتغرب ثم يصاب فيها المجتمع بالقحط الشديد فينسى احيانا ان له اسما معلقا في خريطة كانت يوما تشبهه.
ثم ماذا بعد نزار قباني الذي أتحفنا خلال تاريخه الشعري ماهو الموقف في اللحظة المؤاتية. هو لفلسطين علم، وللمقاومة ايضا، وللحق العربي، وللخلاص، ولكشف المستور لدى العرب، وللدفاع عن الحرية .. هو دائرة مواقف في رجل أراد أن يذهب بعيدا على الدوام في رسم الحقيقة التي يحتاجها العربي، ولذك يبقى شعره صورة ثابتة تصلح لكل زمان ، بل هي ابنة كل زماننا.
وماذا بعد محمود درويش ، والجواهري، ومظفر النواب، وعبد الرحمن الابنودي، ومثل هؤلاء .. كلهم ماتوا وماتت معهم التجربة الخاصة بهم .. بل كأننا اليوم في حالة يباس كاملة .. فلا سورية قدمت فنا بمستوى واقعها الكارثي، ولا العراق، ولا مصر، ولا لبنان، ولا حتى فلسطين .. ليس سرا اذن القول دائما، ان المرحلة تصنع، والقائد يصنع، .. المرحلة بمقدساتها وعبرها وما تحمله من قيم متألقة وحميمية وصميمية ..
من المؤسف بعد كل هذا أننا نمر اليوم بأصعب مما مررنا به في تلك المراحل المنتجة ، فلا نجد عطاء يساويه أو يوازيه .. فرحمة الله على تلك الأزمان التي لن تتكرر.

التعليقات معطلة.