باختصار: ماذا في اليوم الثاني؟

2

 
 
زهير ماجد
 
لا أحب الكتابة عن ذكرى قبل أن أقرأ على الأقل بعضا مما سيكتب عنها، لذلك أؤثر التأخر في الكتابة إلى يوم آخر.
الثورات عمر، يمكن لها أن تبقى، كما يمكن لها أن تندثر .. هي شباب طالما أنها قادرة على ضخ الأسئلة في شعبها، لتحصل على الإجابة التي من المؤكد أنها ستختلف مع الأجيال .. من عاش أيام الثورة والتغيير غير من سيعيش في ظل ما كان .. من ساهم في تحقيق ما يعتبر حلما، ليس من ولد في زمن الاستحقاقات التي تحققت أو تحقق بعضها وبقيت الأخرى على أمل أن تحصل.
إذا أردنا أن نفلسف الأمر، فنذهب إلى الصين التي ورثت زعامة لا نشك بصحتها، قادها ماوتسي تونج، وبصم فيها جل ما يستطيع تحقيقه، لكنه أيضا سقط في بعض التجربة، ليست النظريات مأمولة دائما، وليس ما نتعلمه في الكتب نتمكن من توظيفه في مشاريع كبرى كتلك التي عاشتها التجربة الماوية. لكن الصين اليوم هي غيرها بالتأكيد عما أسسه هذا الزعيم الاستثنائي لها.
أما ثورة أكتوبر الاشتراكية الروسية، فجاءت إجاباتها بعد سنين غير ما طرحه زعيمها لينين أو توصل إليه في التطبيق ستالين، هي انفرطت عند منعطف حساس وفي وقت كشرت فيه أميركا عن أنياب حكمها للعالم بشكل أحادي، وهي أكذوبة لا تصح في التاريخ. أظهر الروس بعد أكثر من سبعين سنة من الحكم الشيوعي أن النظريات التي تملأ الخزائن الخشبية الجميلة، يمكن لها أن تتحول وقودا إذا استمر التطبيق قبل أن يبلغ عمره الافتراضي.
والثورة الكوبية تدخل اليوم منعطفا بعد رحيل مؤسسها وزعيمها المحبوب جدا من شعبه فيدل كاسترو .. ليس هناك من يدعي أنها مع الحكم الجديد لا تتطلع إلى إنزال أثقال الثورة عن أكتافها، وهو أمر لم يكن باستطاعة كاسترو تحقيقه، ولهذا يحتاج لنفس جديد يريد أن يصل بكوبا إلى أن تكون على المنعطف، تشم هبوب التحولات الضرورة لتطعم ما تخمر من سنين طويلة.
جديرة بالقراءة حالة الثورات، كيف تبدأ وماذا تقصد؟ وما هو برنامجها وأفقها الأيديولوجي؟ لكن الأهم أن تطرح سؤالا على نفسها في اليوم الذي تصل فيه إلى الحكم: ماذا بعد من سنين..؟ إنه الرهان الأصعب الذي يصعب الإجابة عليه مسبقا في ظل امبريالية كالأخطبوط، تتجدد باستمرار، قوتها مفرطة وليس لها صديق دائم أو عدو دائم، بل مصالح واعتبارات، وتملك من قدرة مقاومة الأفكار الهابطة على الأرض الكثير.
الثورات إذن جزء من تاريخ إنساني طويل. لكن الأصعب فيها هو كيف يكون التجديد وكيف يستمر؟ ليس الوصول إلى القمة بصعب، بل البقاء فيها كما يقول جبران خليل جبران، وأضيف: ماذا في اليوم الثاني من ذكرى الثورة؟
المشكلة دائما هي في اليوم الثاني، أما الثالث وما بعده فقد يحتاج إلى حلم وخيال يشكلان الضرورة في مسيرة الثورات.

التعليقات معطلة.