مقالات

باختصار: هكذا كانوا ولم تتغير الصورة!

 
 
زهير ماجد
 
أخذني فيلم قصير عن الثائر على امبراطورية روما سبارتاكوس إلى أفكار متعددة، لم أنس خلالها ثائرا آخر على تلك الامبراطورية الكبيرة وهو هانيبعل القرطاجي (من قرطاجة) .. وثمة آخرون عاشوا أعمارهم بهذا التقليد الثوري، تمردوا وأعلنوا العصيان وهم لا يملكون من حطام الدنيا سوى كسرة خبز وسلاح شخصي.
عقل الدول القوية مشكلة لها، القوة المفرطة تتحول إلى مصيدة لصاحبتها .. هي لا تملك سوى أن تتحرك وتعبر عن حالها المتفوق، تخترع شتى الحيل والأحداث من أجل أن لا تنسى، تفتعل المشاكل كي يقال عنها الكلام الذي يخافه الكل .. ليس صحيحا أن رئيسها صاحب عقل متقدم أو مهووس بالثقافة والقراءة وحب الإنسان، أنه باختصار كما سماه أحدهم مجرد رئيس عصابة بكرافات.
لا شك أن للرئيس ترامب شبيها إذن في التواريخ القديمة .. هذا الرئيس يتحدث بكل أريحية عن أنه لم يضرب إيران لأسباب الحرص على إنسانها، فيما يقول في الوقت نفسه إنه لو قامت الحرب لحدثت إبادة في الجانب الإيراني .. هنا تكمن قصة القوة المفرطة التي تهيمن على العقل وتخدع أحيانا .. مفهوم الإبادة تحدثه كما نعرف القنابل الذرية، فهل في عقله موال من هذا النوع مطروح للتنفيذ ساعة الحقيقة وعندما سيرى أن حربه الكلاسيكية سوف تخسر أو هي خسرت بالفعل؟
مالكو هذا الصنف من السلاح المدمر والمبيد يفكرون دائما بحاجتهم له في اللحظات الحساسة .. في كتابها “التقصير” تقول رئيس وزراء العدو الإسرائيلي آنذاك جولدا مائير إنها فكرت باستعمال القنابل الذرية خلال حرب أكتوبر 1973، ويوم تم إخبارها أن الجيش المصري دمر 400 دبابة إسرائيلية كما قال مهندس السياسية الأميركية سابقا كيسنجر .. ولكن الأميركي استعملها يوما في اليابان، لم يسأل عن حقوق الإنسان، أراد أن يجرب اختراعا جديدا يميت مئات الآلاف في لحظات ويشوه المئات أيضا ويقتل الطبيعة لعشرات السنين.
لم تتغير الصورة البشعة عن مالكي القوة من الامبراطوريات .. صحيح أننا لم نعد نسميهم بالامبراطوريات، لكنهم كذلك، فهم هم مفتاح الحقيقة البشرية .. إذا أردت الشر فلا تراه في الشعوب الضعيفة أو المفتشة عن رغيف خبزها من أجل إطعام شعبها، بل فتش عن القوي الذي همه سلاحه، تطويره، اختراع الأكثر فتكا فيه، أفكاره المتطاولة على كل من يفكر بالحرية مثلا، لأنها ملكه وحده، وله وحده أقيمت هذه المفاهيم على الأرض وهو من يمنحها.
كيف لا يفكر أصحاب القوة المفرطة في دورة الحياة مثلا..؟ هل روما من فوق غيرها من تحت كما يقولون..؟ كان أحدهم يقول إن كل إنسان في أي موقع أراه عاريا، فهو بالتالي يشبه كل الناس .. يفرح ويبكي ويتألم وتأكله الكوابيس ويذهب إلى الحمام، ويصاب بالزكام ويسعل وغيره من الأمور.
أعجبني الثائر الفيتنامي الكبير هوشي منه بما تركه من وصية بعد وفاته، حين اكتشفت بأنها موجهة إلى أطفال فيتنام فقط .. كان يعرف أن هؤلاء لم يملكوا بعد سطوة الكبير وأفكاره، لأن الطفولة مجبولة بالبراءة والعفوية، وأنه احترم كل صغير كما تقول القصيدة، لأن لا أحد يعرف ماذا سيكون عليه هذا الصغير في المستقبل؟
هكذا كانوا إذن، ظلت القوة المفرطة مشكلة للعقول والتصرفات وما زالت.