زهير ماجد
لم أذهب إلى معرض الكتاب الذي يقام سنويا في مثل هذه الأيام ببيروت، على الرغم من الندوة التي أقيمت للشاعر والمفكر العربي أدونيس بكل الإشكالية التي يزرعها حوله بناء على أفكاره، ومثقف من هذا النوع لا يمكن الاستغناء عن مناسبة وجوده في العاصمة اللبنانية باعتباره مقيما في فرنسا.
لا شك أن المعرض زاخر بآلاف الكتب الجديدة وبكل العناوين الجذابة، وخصوصا السياسية منها. كان الكاتب كولن ولسن كلما وقف أمام مكتبة عامة يشعر بالقزمية كما يقول كونه سيكتشف أن ثمة كتبا كثيرة جدا لم يقرأها ولن يبقى في العمر ما يسمح بقراءتها.. في حين رسم الشاعر أحمد شوقي الكتاب شعرا بقوله “أنا من بدل بالكتب الصحابا/ لم أجد لي وافيا إلا الكتابا”.
كنت في الأعوام السابقة حين أزور المعرض إياه وفي المكان ذاته، أرى كهولا تجوب دور النشر، تقلب الكتب، وبعضهم يشتري فأردد مع نفسي ما يقوله ولسن .. لكن الأنكى أن الذين يوقعون كتبهم الجديدة أو مؤلفاتهم “الفريدة” هم أيضا كهول، رسمتهم الحياة وجبلتهم وبعضهم تهتز يده أثناء التوقيع.
الكتب السياسية مغرية لعشاقها الذين هم مثلي ومثل كثيرين، لكن المفاجأة التي تحدث كل عام، ما يعلن في نهاية المعرض عن فوز الكتب المتخصصة بالأبراج الفلكية أو تلك المهتمة بالطبخ مثلا .. إذ كيف سيحدث العكس، والشباب الذي يتحرك في الممرات ويشكل الكثرة الكثيرة من رواد المعرض، لا يشترون سوى هذا النوع من الكتب، وعلى أبعد تقدير فكتاب شعر، خصوصا وأننا جميعا، بل معظم الشباب وفي عمر صغير يجدون في أنفسهم ميلا لكتابة الشعر فيظنون أنهم شعراء، ثم تموت تلك الذائقة مع تقدم العمر ولا يبقى منها سوى الحنين إلى نوعها الأدبي والثقافي.
الظاهرة التي تتكرر كل عام صارت تجارية بحتة بكل أسف وتحمل عنوان توقيع الكتاب .. إذ إن مؤلفه هو من يوقعه فيما يفرض على المشتري أن يدفع ثمنه فيذهب بالتالي لصاحب الدار، ولعل هنالك أسماء “بييعة” مثل أدونيس الذي حصد كما كبيرا من المشترين الذين وقع لهم كتابه الجديد هذا العام، في الوقت الذي تمكن أحد الكتاب السياسيين في العام الماضي من حصد العدد الأكبر من المشترين، كون كتابه يتناول الأحداث في سوريا من مسبباتها إلى تفاصيلها الأخرى.
كان الشاعر نزار قباني أكثر من يبيع دواوينه الشعرية فأنشأ دارا خاصة له فقط كي لا يتحكم به أصحاب الدور .. الشاعر محمود درويش بز الشاعر قباني بأن وصل عدد أحد دواوينه المباعة إلى أكثر من مائة ألف، وهو رقم عربي مذهل لكنه ليس شيئا أمام أعداد الكتب الغربية التي تصل أحيانا إلى الملايين كتاب. ومرة سأل أحد شعراء تشيكوسلوفاكيا السابقة أحد الشعراء اللبنانيين عما إذا كانت كتبه قد أمنت له بيتا وسيارة وزواجا ممكنا، فرد عليه بأنه يعيش مما يقترضه من المصارف وهو لم يتمكن من الزواج، وفي الحال قال له الشاعر الاشتراكي بأنه حتى في بلده الاشتراكي دخله من كتبه الشعرية كبير ولديه بالتالي بيت خاص وسيارة ويتنقل كل عام بين مدن العالم ..
من المؤسف أن نكرر دائما أزمة القراءة عند العرب الذين يقرأون في السنة أقل من نصف كتاب .. وهم كانوا كذلك قبل اكتشاف الإنترنت، فكيف بعد اكتشافه.
نظن أننا كبار في الثقافة، لكننا في معرض للكتاب نشعر فعلا بالقزمية التي يشعر بها كولن ولسن.