بالتفاصيل.. هكذا قُتلت مهسا أميني

1

لقيت مهسا (جينا) أميني حتفها في 16 سبتمبر(أيلول) الماضي بعد أن دخلت في غيبوبة جراء ضربات عنيفه على رأسها كالها لها رجال أمن من النظام الإيراني المتشدد الذين يفرضون الحجاب عنوة على النساء، بحسب ما أفادت الناشطة الإيرانية مريم معمار صدقي، مؤسسة ومديرة منتدى سايروس.

وأضافت معمار صدقي، باحث أول في معهد “ماكدونالد لوريير” في كندا، في مقال لها نشرته مجلة “تابلت” الأمريكية، أي فتاة في الثانية والعشرين من عمرها يمكن أن تتعرض للقتل في إيران لأن خصلات من شعرها تدلت من تحت وشاح رأسها.

وتابعت “نحن نعلم قصتها لأن عائلتها الكردية الشجاعة رفضت أن ترضخ وتدس رأسها في التراب. ظلت عائلة مهسا تدلي بتصريحاتها للمراسلين الصحافيين بأن ابنتهم كانت سليمة مُعافاة، وأنّ النظام الذي اختلقَ مقطع فيديو لها وهي تسقط تأثراً بأزمة قلبية كاذب. وشهد والدها، وكذلك الفتيات اللواتي اعتُقلن معها، بأنهم رأوا كدمات على رأسها، أكدتها صورة مُسرَّبَة للفتاة المصابة برضوض وجروح والمغمي عليها على سرير المستشفى”.

وتكلم مسؤولو المستشفى أيضاً التي ماتت فيها مهسا، بشجاعة وجرأة، إذ أخبروا المراسلين بأن الشابة تلقت 10 أو 11 ضربة على رأسها، على الأرجح بسبب ضرب رأسها في حائط. والنساء والفتيات الأخريات اللاتي اعتُقلن معها لانتهاكهن قانون الحجاب ذكرن أنّ ضرب مهسا بدأ داخل سيارة تابعة للشرطة حُشرن جميعهن فيها.

والمدهش في الأمر، بحسب الناشطة الإيرانية، الشهادة التي أدلى بها الملازم أول في مخفر “شرطة الأخلاق” حسن شيرازي عبر موقع تويتر للمسؤولين، إذ قال إن مهسا كانت تُمسك برأسها وتصرخ بصوتٍ عالٍ عندما خرجت من سيارة الشرطة. وقالت لها حارسة في مخفر الشرطة إنه سيُطلق سراحها قريباً، لكنها لم تكفُّ عن الصراخ والعويل.

وحسب شهادة شيرازي، فقد استشاط الضابط البارز سيد عباس حسيني غضباً من صراخها، فدنا منها وكال لها لكمة قوية جداً لدرجة أنها سقطت مغشياً عليها. وخيَّمَ الصمت بعد ذلك عندما شرع العقيد حسيني في ركل مهسا، وطلب أن تُقتاد إلى الدور التحتي الثاني، وهو أكثر قطاعات مركز الاعتقال “ظُلمة” على الإطلاق. ولم تستطع الحارسات أن يرفعن مهسا، وصرخت إحداهن بأن الدماء تسيل من أذنها، فنُقِلت إلى المستشفى بعد 20 دقيقة.
وأشارت الباحثة إلى أنه منذ أن فُرضت الشريعة الإسلامية في أعقاب ثورة 1979، شهدت إيران عدداً لا يحصى من الضحايا الفتيات والنساء أمثال مهسا.

نفشه طاهريان
واستشهدت في هذا السياق بالممثلة بنفشه طاهریان، واصفةً إياها بأنه مثال صارخ على هؤلاء الضحايا، إذ أبدت دعمها لعائلة مهسا، وخرجت على الملأ وكشفت عن أنها جُلِدت 60 جلدة على يد شرطة النظام عندما كانت في التاسعة عشرة من عمرها.

واندلعت الاحتجاجات والتظاهرات الأسبوع الجاري في إيران على خلفية جريمة قتل مهسا البشعة. وامتدت التظاهرات في شتى أنحاء الدولة، إذ خرج الناس في المدن الكبرى والبلدات الصغيرة.

وشهدت مواقع الإنترنت أيضاً تعبئة لا مثيل لها، وتوحد نجوم السينما والرياضيون وغيرهم من المشاهير الذين كسروا حاجز الصمت وانضموا للناس في رفضهم العام للقسوة والعنف البربريين اللذين يتعامل بهما النظام مع الناس في إيران باسم الدين.

ووصفت الباحثة استعداد الإيرانيين لتحدي الجهاز القمعي للجمهورية الإسلامية مرة أخرى بأنه “مدهش”، رغم مقتل 1500 مُتظاهر في 2019، والتعذيب الذي تعرّض له آلاف آخرون، وإعدام آخرين، بمن فيهم المصارع بطل مدينة شيراز نويد أفكاري الذي كان وما زال محبوباً بسبب صدقه وشغفه.

عقاب إلهي وإنجاز يدعو للفخر!
وقالت مريم معمار إن هذا لنظام يقتات بالكامل على القسوة والوحشية. ورئيسه الحالي إبراهيم رئيسي الذي تَكْفل له السلطات الأمريكية الحماية، وتتلقاه منظمة الأمم المتحدة بالترحاب والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالبسمات بالتزامن مع احتجاج الإيرنيين طلباً لحريتهم، هو واحد من بين أكثر القتلة خبرةً في الدائرة المُقرَّبة من المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، ومسؤول شخصياً عن إعدام الآلاف في مذبحة السجن التي وقعت عام 1988. وقد سَمَّى مذبحته “العقاب الإلهي” و”الإنجاز الداعي للفخر” للنظام الثوريّ.

وتساءلت الباحثة: لماذا تُصر الولايات المتحدة على دعم هذا القاتل والنظام الذي يمثل واجهةً له، في حين أن الإيرانيين يخاطرون بحياتهم في الشوارع طلباً للحرية؟

الصفقة النووية
عندما روَّجَ الرئيس السابق باراك أوباما للصفقة الإيرانية الأصلية، كانت حجّته أنّ تطبيع العلاقات مع الجمهورية الإسلامية سيرتقي برفاهية الشعب الإيراني وحرياته. وحتى في ظل ضخ المليارات نقداً في خزائن النظام الإيراني، ازداد الناس فقراً والدولة قمعاً وقهراً.
وأشارت الباحثة إلى أنه خلال أيام الرئيس الأسبق “المُعتدل” حسن روحاني، قُتل أكثر من 1500 مُتظاهر في الشوارع.

وذكرت أنه عندما يتعلق الأمر بإيران، كان الرئيس الأمريكي وكبار المسؤولين في إدارته متحمسين للتخلي عن الشباب الإيرانيين، والنساء تحديداً، الذين كانوا يقاتلون بجسارةٍ لنيل حريتهم منذ 2009.

وأكدت الباحثة أن أعظم عُنصر قَيِّم تملكه أمريكا لضمان شرق أوسط يعمُّه السلام هو الشعب الإيراني. ورغم ذلك فقد بُنيت الاستراتيجية السياسية خلال الفترة ما بين إدارتي أوباما وبايدن على القمع الدائم لهذا الشعب تحت أقدام النظام الوحشي القائم على شرذمة من كارهي أمريكا الناكرين للمحرقة الذين يضربون النساء حتى الموت بحجة كشف شعرهن.

وقالت مريم معمار: “لا يمكننا الجزم بما إذا كان الشعب الإيراني سينتصر أخيراً هذه المرة”.
واختتم الناشطة الإيرانية مقالها بالقول: “عندما تنظر إلى صور الشابة الجميلة مهسا أميني التي عُذِّبَت حتى الموت، وعندما تشاهد مقاطع فيديو للمجرمين الذين قتلوها وهم يحاولون ضرب المواطنين المحتجين، تذكَّر أن هؤلاء هم المجرمون الذين تحاول الولايات المتحدة المتحدة تزويدهم بالمزيد من العدة والعتاد والمال والمكانة المرموقة على حساب الناس الذين يريدون بشدةٍ أن يتحرروا من طغيانهم”.

التعليقات معطلة.