مقالات

«بروكينجز»: هل التعليم على الإنترنت مفيد؟

 

للكاتب Susan M. Dynarski

ترجمة مروة عبدالله

لطالما كانت الدورات التعليمية على الإنترنت ومدى نجاحها في تحصيل العلوم المختلفة مثار جدل، فهل الدورات التعليمية على شبكة الإنترنت يمكن أن تحلّ محل الفصول الدراسية الفعلية في المدارس والجامعات؟ هل يمكن الاستعاضة عن التعليم وجهًا لوجه في الفصول بالتعليم من خلال الدورات على الإنترنت؟ وهل يناسب هذا النوع من التعليم كل الفئات العمرية والمستويات الأكاديمية للمتعلمين أم هناك تفاوت؟

يجيب تقرير نشره موقع بروكينجز عن كل تلك الأسئلة بشيءٍ من التفصيل، مستعرضًا عددًا من الدراسات التي أجريت على مجموعات مختلفة من الطلاب سواء في المراحل المتوسطة والثانوية، أو ما بعد الثانوية.

اقرأ أيضًا: دون أن تدفع قرشًا واحدًا.. إليك قائمة الكورسات المجانية لنوفمبر 2017

لماذا الدورات على الإنترنت؟

يذكر التقرير أن الدورات التدريبية على الإنترنت لديها القدرة على تحسين مستوى التعليم على كل مستوياته؛ إذ إن الدورات على شبكة الإنترنت تتيح للطلاب إمكانية التعلُّم كل على حسب وتيرته، وذلك باستخدام مواد تعليمية قابلة للتعديل بحيث تناسب احتياجات المتعلمين بشتى مستوياتهم، المتقدمة والمتوسطة، يمكن للدورات التعليمية على الإنترنت أيضًا أن تقدم عروضًا لمقررات دراسية تفيد المدارس التي تفتقر إلى المتخصصين في العملية التعليمية كما هو الحال في المدارس بالمناطق النائية.

إلا أن التقرير يذكر من ناحية أخرى أن الدورات التعليمية على شبكة الإنترنت تجذب -على وجه الخصوص- المدارس وقادة المقاطعات الذين يبحثون عن سبل لتقليل التكلفة؛ إذ إن مرتبات المدرسين هي المحرك الرئيسي في تكلفة العملية التعليمية على كافة مستويات التعليم، وبالتالي فإن أي تقنية من شأنها السماح للمدرسين بتدريس عدد أكبر من الطلاب، يمكنها أن تقلص حجم الميزانية المدفوعة للمدرسين، وبالتالي تستغل في نواحٍ أخرى.

وفي محاولة لإيجاد إجابات عن تلك التساؤلات، أجرت مايا سكوت وزملاؤها مؤخرًا مراجعة شاملة على الدراسات التي تقيس العلاقة السببية للدورات التدريبية على الإنترنت من ناحيتي التعلم، وإمكانية الوصول إلى الدورات. ركز بحثها على الأوراق البحثية التي استفادت من التجارب العشوائية، ومخططات الانقطاع الانتكاسي، وهما النهجان اللذان يسمحان لنا أن نكون على يقين بأننا نصيب في فهم العلاقة السببية بين نتيجة التعلم، والتعلم عن طريق الإنترنت. وبينما لا تزال هناك أسئلة كثيرة بدون إجابات، وما تزال هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات في هذا الشأن، تظهر مراجعة تلك الدراسات التي أجريت بالفعل تقدمًا في فهمنا لنوعية الطلاب الذين يستفيدون من الدورات على الإنترنت.

ينقسم التعلم عن طريق الإنترنت إلى فئتين رئيسيتين واسعتين: الأولى تتمثل في دورات الإنترنت البحتة، حيث الطالب لا يجتمع أبدًا بالمعلم في غرفة واحدة، والثانية تتمثل في الدورات المخلوطة، حيث يقضي الطلاب وقتًا في الفصول الدراسية مع المدرب أو المعلم، إضافة إلى تسجيلات الفيديو التعليمية، والمحتوى الرقمي.

وبشكلٍ عام فإن مجموعة الأبحاث في هذا الشأن تشير إلى أن التعلم بالطريقة الأولى يسوءه عدم وجود تعليم وجهًا لوجه، أما الطلاب في الدورات المخلوطة لديهم تقارب في مستوى أدائهم مع الطلاب في الدورات التعليمية وجهًا لوجه، ويضيف التقرير أنه إذا كانت الدورات التعليمية المخلوطة تتيح للمعلمين توفير بعض الوقت، فإن هذا الوقت يمكن استغلاله في تقديم دورات إضافية، أو تركيز مزيد من الانتباه والاهتمام بالطلاب الذين يعانون صعوبةً في التعلم.

أثره في التعليم ما بعد الثانوي

يقودنا هذا إلى سؤال مهم، هل الدورات التدريبية على الإنترنت تفي بما تعد بتوفيره؟ في يونيو (حزيران) 2017، في منشور على موقع « Evidence Speaks»، أظهر إريك بتینجر وسوزانا لوب من جامعة ستانفورد أن الدورات التعليمية على الإنترنت على الأغلب تعد خيارًا سيئًا للطلاب الأقل إعدادًا أكاديميًّا في الجامعات الكبيرة الربحية، الطلاب المسجلون في دورات على شبكة الإنترنت كان أداؤهم أسوأ بكثير من الطلاب المسجلين في نفس الدورة التدريبية لكن بحضور الفصول الفعلية، وليس عن طريق الإنترنت. كانت درجات الطلاب المسجلين في دورات الإنترنت أقل، وكذلك كانت فرصهم في النجاح في الدورات اللاحقة أقل، وكانوا أكثر عرضةً للرسوب.

يوضح التقرير أن تلك النتائج على وجه التحديد قد تكون سيئة للبعض، ربما يعزى سبب ذلك إلى أن الطلاب الذين يسجلون في دورات على الإنترنت يواجهون تحديات أكبر من نظرائهم الذين يتعلمون وجهًا لوجه، فهم عادةً يكونون أكبر سنًّا، وعلى الأرجح لديهم وظائف بدوام كامل، فضلًا عن احتمالية أن يكونوا آباء أو أمهات غير متزوجين. في حين أن تلك الدورات على شبكة الإنترنت تكون ملائمة تمامًا لهذا النوع من الطلاب غير التقليديين، إلا أن الدلائل الموجودة تبرهن على أن هذا النوع من الدورات التعليمية ربما يكون خيارًا غير مناسب؛ بل وسيئًا للطلاب المتأخرين أكاديميًّا عن نظرائهم.

بيد أن التقرير يؤكد أن دراسة واحدة لا يمكنها عرض قصة التعليم على شبكة الإنترنت الكاملة، ويطرح مجموعة تساؤلات بهذا الصدد، هل تتكرر نفس النتيجة في حالة التعليم للمراحل ما قبل الثانوية؟ وما هي آثارها على الطلاب الأصغر سنًّا؟ كالمراهقين في المراحل الدراسية المتوسطة والثانوية؟

ما قبل الثانوية

أُجري البحث أعلاه على المتعلمين في الكليات ومراحل ما بعد التعليم الثانوي، لكن أجريت أيضًا دراستان حديثتان بحثتا أثر التعلم عن طريق الإنترنت بين طلاب المرحلتين المتوسطة والثانوية، ويعكس نمط أثر التعليم على الإنترنت الذي توصلت له تلك الأبحاث ما أظهرته الأبحاث التي استهدفت مراحل ما بعد التعليم الثانوي، بحثت الدراستان في أثر التعليم على الإنترنت لفصول الجبر على فئات متباينة جدًا.

يذكر التقرير أن الورقة البحثية الأولى قَيَّمَت برنامجًا استهدف توسيع إمكانية وصول طلاب المرحلة المتوسطة في ولايتي فيرمونت، وماين لدورات الجبر التعليمية على الإنترنت، وجدت أن في المدارس الصغيرة حجمًا والريفية، هناك عددًا قليلًا من الدورات التدريبية المتخصصة تخدم الطلاب المتقدمين أكاديميًّا على زملائهم، وببساطة لا يمكن لاقتصاديات المدارس الصغيرة أن توفر مجموعة من المعلمين المتخصصين الذين يمكن للمدارس الحضرية الكبيرة للمرحلة المتوسطة تقديمهم. وبالتالي يمكن أن يخلق الاتجاه إلى الدورات التعليمية على الإنترنت مجموعة من الخيارات للمقرر التعليمي التي يُحرم منها الطلاب في فصولهم الواقعية.

في التقييم، وبطريقة عشوائية، تم اختيار طلاب الصف الثامن الذين يؤهلهم أداؤهم الأكاديمي في المستوى الأول من الجبر، و الملتحقين بمدارس لا تقدم دورة تعليمية في الجبر للمستوى الثامن، ودرسوا الدورة على الإنترنت، بينما تم تدريس الطلاب في المجموعة الضابطة المستوى القياسي لمنهج الرياضيات العامة الذي تقدمه المدرسة لطلاب الصف الثامن.

أبلى الطلاب الذين يدرسون الدورة على الإنترنت أفضل بكثير من نظرائهم في تقييم منهج الجبر المعرفي في نهاية الصف الثامن، إذ كانوا أعلى من الطلاب في المجموعة الضابطة بنسبة 0.4 انحراف معياري، يعد هذا تأثيرًا كبيرًا، فضلًا عن أن الطلاب في المجموعة التي درست عبر الإنترنت أبدوا احتمالًا أكبر -يصل للضعف- من حيث إمكانية إتمام دراسة مستوى الرياضيات المتقدمة في المرحلة الثانوية، منافسين بذلك طلاب الصف العاشر في منهج الرياضيات المستوى الثاني، بواقع 26 طالبًا من المجموعة الضابطة مقابل 51 من المجموعة التي درست على الإنترنت.

جدير بالملاحظة أن هذه الدراسة اختبرت عددًا من التعاملات المختلطة، مثل تعلم الجبر في الصف الثامن، والتسجيل في دورة تعليمية على شبكة الإنترنت، نسبة إلى تعلم الرياضيات العامة في الصف الثامن في دورة وجهًا لوجه. لا يمكننا أن نجزم بأن أي من هذه الجوانب من التجربة تنتج التأثير الملحوظ. لربما كان مقدار تعلم الطلاب الذين تعلموا عن طريق الإنترنت أكثر من ذلك لو أنهم تعلموا الجبر في دورة وجهًا لوجه، بدلًا من الإنترنت. يذكر التقرير أن من الناحية العلمية، فإن النتائج غير مرضية بعض الشيء؛ إذ لا يمكن الفصل بين تأثير أي من العاملين على النتيجة. ولكن من وجهة نظر سياسية، فإن النتائج مرضية تمامًا، وهي متمثلة في أن دورات الرياضيات التعليمية على الإنترنت، يمكن أن توفر تجربة تعليمية منتجة للمراهقين ذوي الكفاءة الأكاديمية في الصف الثامن، لا سيما للطلاب الذين ليس في استطاعتهم الوصول إلى نفس المحتوى الدراسي في الفصول التعليمية الواقعية.

أما الدراسة الثانية، فقد اختبرت أثر تعلم الجبر على الإنترنت، لكن على مجموعة مختلفة تمامًا، تشمل طلاب المرحلة الثانوية في ولاية شيكاغو الذين رسبوا في نفس المقرر الدراسي، في فصول الرياضيات وجهًا لوجه. كثيرًا ما تُستخدَم منصات التعلم على شبكة الإنترنت في محاولات تعويض الوحدات الدراسية، إذ يعيد الطلاب دراسة المقرر الذين فشلوا فيه.

تتلخص التجربة في إلحاق الطلاب الذين فشلوا في مقرر الجبر، في 17 مدرسة من مدارس المرحلة الثانوية في ولاية شيكاغو، بدورة تعليمية مختصرة في الصيف، وبمجرد مداومة الطلاب على الحضور في أول بضعة دروس، يتم تحويلهم بشكل عشوائي إلى فصول وجهًا لوجه أو فصول على الإنترنت، كشفت النتيجة أن أداء الطلاب المسجلين على الإنترنت كان أسوأ بكثير من نظرائهم في الاختبار النهائي، إذ حازوا درجات أقل من الطلاب الذين تم التحقوا بالدورة وجهًا لوجه بنسبة 0.2 انحراف معياري، وكان من المستبعد نجاح الطلاب المسجلين في الدورة على الإنترنت، وكانت النتيجة 66% مقابل 78%.

بيد أن تجربتين عشوائيتين أجريتا على الدورات التعليمية على الإنترنت المقدمة للمراهقين ليستا كافيتين إطلاقًا لإقرار سياسة تعليمية بشأن الدورات التعليمية على الإنترنت. لكن من خلال الجمع بينهما وبين الدراسات التي استهدفت مراحل ما بعد التعليم الثانوي، يظهر نمط واضح: الطلاب الذين يعانون من صعوبات أكاديمية يكون أداؤهم أسوأ في الدورات التعليمية على الإنترنت، وتشير الأدلة الموجودة الآن إلى أن الدورات التعليمية على الإنترنت يجب أن تركز على توسيع خيارات الدورة التعليمية، أو أن تركز على إمداد الطلاب المتقدمين أكاديميًّا بما يزيد من معدل تعلمهم أكثر من تركيزها على دعم أداء الطلاب المتخلفين دراسيًّا.