بريطانيا قبيل بريكست: تمرد بالبرلمان وخطر فوضى بالشارع

1

 

تضع أزمة انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؛ قيادتي الحزبين الرئيسيين في بريطانيا أمام تحديات كبيرة، قد تفرز تمردا داخليا في ظل ارتفاع سخونة الجدل حول خيارات الانسحاب، بين التأجيل أو إجراء استفتاء جديد، وصولا إلى المطالبة بإلغاء تفعيل بند الانسحاب، مع تحذيرات من مخاطر الخروج دون صفقة وما قد يرافق ذلك من اضطرابات وفوضى في الشارع.

فبينما بدت رئيسة الوزراء وزعيمة حزب المحافظين تيريزا ماي، في موقف ضعيف بعد رفض خطتها لـ”بريكست” في البرلمان هذا الشهر، فإنها تواجه تمردا جديدا من نواب حزبها، بينهم أعضاء في الحكومة، حيث تتعرض ماي لضغوط متزايدة للسماح لممثلي حزبها في البرلمان بـ”التصويت الحر” على مشروع جديد مطروح على البرلمان، أي بإعطاء النواب حق التصويت وفق ما يرونه، وليس استنادا لما تقرره قيادة الحزب.

ومن المقرر أن يعقد البرلمان الثلاثاء جلسة للتصويت على عدة تعديلات على قانون بريكست، أهمها تأجيل تنفيذ “البند 50” (الانسحاب من الاتحاد) في 29 آذار/ مارس، حتى نهاية العام، ليتم تجنب الخروج دون اتفاق مع الاتحاد الأوروبي، ومنح البرلمان صلاحية أوسع في مناقشة وإقرار خيارات أخرى لتجنب “دون اتفاق”، واستبعاد خيار “دون اتفاق”، إلى جانب تعديلات مقترحة عديدة. لكن رئيس البرلمان، سيقرر أي من هذه المقترحات سيتم طرحها للتصويت.

اقرأ أيضا: مكتب ماي يندد بـ”مؤامرة” لسحب ملف بريكست منها

وحسب وسائل إعلام بريطانية فإن نحو 40 من أعضاء الحكومة (الكابينيت)، تتزعمهم وزيرة العمل والتقاعد أمبر راد، قد أبلغوا ماي بغضبهم من اعتزام الحزب إصدار مذكرة لنوابه بالخطوط الثلاثة (أي إلزامية الحضور والتصويت لصالح ما تقرره رئيسة الحزب)، مهددين بالاستقالة من مناصبهم في الحكومة إذا لم تستجب ماي لمطلبهم؛ الذي يعني استبعاد خيار الخروج من الاتحاد الأوروبي دون صفقة، وهو ما ترفض ماي التعهد به حتى الآن.

ورفضت راد، خلال مقابلة مع محطة “بي بي سي” مساء الخميس، استبعاد احتمال استقالتها، رغم تكرار السؤال ثلاث مرات، قائلة: “سأنتظر وأرى”، مضيفة: “دعوت لتصويت حر في البرلمان الثلاثاء، وسأرى القرار الذي ستتخذه الحكومة”، ما يؤيد التسريبات الإعلامية بهذا الصدد.

اتفاق أم دون اتفاق؟

وفيما يرى وزراء بارزون، مثل وزير البيئة مايكل جوف، الخروج دون اتفاق أمرا ليس سيئا، ويرفضون أي اتفاق لا يضمن الانفصال التام، بما في ذلك الاتحاد الجمركي، يرى وزراء مثل وزير المالية فيليب هاموند، المؤيد للبقاء في الاتحاد، أن الخروج دون صفقة سيكون “كارثيا” بالنسبة للاقتصاد البريطاني، وأنه يشكل “خيانة” للتعهدات التي أطلقت خلال حملة التصويت بشأن بريكست في 2016، وفق قوله أمام مؤتمر دافوس المنعقد حاليا في سويسرا. لكن هاموند، في المقابل، وجه سهام النقد في الوضع الذي وصلت إليه المفاوضات؛ إلى الاتحاد الأوروبي، وخصوصا فرنسا؛ التي قال إنها تبالغ بالتمسك بـ”الخطوط الحمر”.

ويأتي هذا التصريح كصدى لتحذيرات رئيس شركة إيرباص الأوروبية لصناعة الطائرات، توم إنديرس، من أنه في حال انسحاب بريطانيا دون اتفاق، فإن الشركة ستغادر البلاد، وهي تحذيرات تندرج في إطار مخاوف عبّر عنها قطاع الأعمال في بريطانيا.

وفي خطوة عززت الشكوك بشأن المستقبل بعد الانسحاب، قرر رجل الأعمال والمليادير المؤيد لـ”بريكست”، جيمس دايسون، نقل إدارة شركته التي تنتج المكانس الكهربائية من نوع “دايسون”، إلى سنغفاورة، الذي اعتبر تناقضا في موقف داعمي حملة الخروج من الاتحاد الأوروبي، رغم تأكيد دايسون أن الخطوة لا علاقة لها بـ”بريكست”، وإنما للدخول في الأسواق الأسرع نموا في آسيا.

اقرأ أيضا: الاتحاد الأوروبي: ليس لدينا حلول لـ”بريكست” ولن نفاوض مجددا

وكانت ماي قد تلقت ضربة قاسية هذا الشهر، حيث رفض البرلمان المصادقة على الاتفاق الذي توصلت إليه مع الاتحاد الأوروبي، مع تصويت أعضاء في حزبها ضده، لكنها نجت بصعوبة من تصويت على سحب الثقة منها، بفضل وقوف الحزب الوحدوي الإيرلندي معها. إلا أن هذا الحزب يرفض “الإجراءات المؤقتة” التي يطلبها الاتحاد الأوروبي لضمان عدم عودة الحدود الفعلية بين شطري إيرلندا، حيث يرى الحزب أنها مقدمة لفصل شمال إيرلندا عن بريطانيا؛ لأن هذه الإجراءات تتطلب إنشاء نقاط حدودية وترتيبات جمركية مع باقي الأراضي البريطانية.

وبعد خسارة ماي تصويت البرلمان على الاتفاق، دعت لحوار مع جميع الأحزاب واتحادات العمال، لكن زعيم حزب العمال جيرمي كوربين؛ رفض الاستجابة للدعوة للجلوس لطاولة الحوار قبل أن تسحب رئيسة الوزراء خيار الخروج دون اتفاق، وهو ما ترفضه ماي التي اكتفت بطرح الخطة البديلة (الخطة بي)، بناء على طلب البرلمان، لكن الخطة لم تأت بجديد، وفق المعارضة، حيث اكتفت بالحديث عن تسهيلات لترتيب أوضاع المقيمين الأوروبيين، مع تشديدها على رفض تأجيل الخروج.

ويثير احتمال الخروج من دون صفقة مع الاتحاد الأوروبي هلعا في الأوساط السياسية والشعبية، حيث تواصل وسائل الإعلام نشر تسريبات عن خطط الحكومة، بما في ذلك نشر قوات الجيش في الشوارع، لمواجهة احتمالات الفوضى والاضطرابات في البلاد، في ظل نقص محتمل في الإمدادات الغذائية والدوائية، مع خطر تعطل حركة الطيران، إلى جانب تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى بريطانيا عبر القنال الإنكليزي.

اقرأ أيضا: شرطة بريطانيا تحذر من تزايد خطر إرهابيين من اليمين المتطرف

أما إذا خرجت بريطانيا في الموعد المحدد (29 آذار/ مارس) أو تم تأجيل الخروج لأجل مسمى، فإنه ستكون هناك فترة انتقالية قد تمتد لعامين؛ تستمر علاقة بريطانيا خلالها بالاتحاد كما هي، باستثناء حق التصويت على قراراته. وخلال هذه الفترة، يجري تعديل القوانين البريطانية لتطبيق الانفصال، إلى جانب استكمال المفاوضات حول العلاقات التجارية والاقتصادية المستقبلية. لكن خلال هذه الفترة أيضا سيتم تطبيق الإجراءات المؤقتة الخاصة بشمال إيرلندا.

كوربين بين نارين

أما كوربين فيواجه تحديا من نوع آخر؛ يتمثل في اضطراره للموازنة بين تيارين متناقضين في حزبه. فبيمنا يطالبه النواب المتمردون عليه (Backbenchers) بتأييد الدعوة لاستفتاء شعبي ثان بشأن الانسحاب، يحذره نواب مؤيدون له من أنهم سيقدمون استقالاتهم إذا أيد كوربين هذا المطلب.

ويأتي هذا الجدل في الحزب بناء على الخشية من خسارة الحزب أصوات الناخبين. فمن المعلوم أن ما رجح كفة التصويت لصالح بريكست خلال الاستفتاء؛ هو تصويت القاعدة الانتخابية لحزب العمال في شمال ووسط إنكلترا لصالحه، علما بأن آراء المواطنين البريطانيين قد تغيرت قليلا منذ ذلك الوقت، حيث تشير الاستطلاعات إلى أن كثيرا ممن أيدوا الخروج سيصوتون للبقاء إذا أجري تصويت جديد.

وينشط نواب من أحزاب مختلفة، يرفضون خطط رئيسة الوزراء بشأن الانسحاب، في حملة للدفع باتجاه استفتاء جديد، وهم يدعمون التعديلات المطروحة للمناقشة والتصويت الثلاثاء. وفي حال تصويت البرلمان لصالحها، فإن ماي ستكون مجبرة على سلوك طريق جديد، في ظل رفض الاتحاد الأوروبي إعادة التفاوض حول الاتفاق الذي تم التوصل إليه.

ووفق ما تابعته “عربي21″، فإن كوربين يميل لتوسيع صلاحية البرلمان في الإشراف على عملية الخروج، بما يسمح باختيار الطريق الذي ستمضي به بريطانيا، بما في ذلك إقرار البقاء في الاتحاد الجمركي أو ضمان الوصول لصفقة، أو حتى المضي باتجاه استفتاء شعبي جديد، وهذا محور التعديل الذي قدمه للبرلمان. لكن حزب المحافظين يعتبر ذلك تهديدا للديمقراطية؛ لأن ذلك يعني سحب صلاحيات الحكومة من جهة، و”تعديا” على قرار الناخبين خلال الاستفتاء بالانسحاب من جهة أخرى، كما يقول المحافظون.

ونقلت صحف بريطانية الأحد، أن كوربين تلقى تحذيرات من حلفائه بأن تأجيل الخروج أو إجراء استفتاء ثان؛ سيكون مخالفا لرغبات الناخبين، في حين أن موقف كوربين لا يزال غامضا تجاه هاتين المسألتين، بينما يتحرك رئيس الوزراء السابق وزعيم الحزب سابقا، توني بلير، مع أنصاره في الحزب، باتجاه استفتاء جديد أو إلغاء تفعيل بند الانسحاب نهائيا.

التعليقات معطلة.