ما من لحظة تعرض فيها العراقيون إلى الذل المطلق مثل تلك اللحظة التي صوت فيها ممثلوهم المفترضون في مجلس النواب على القانون الذي يجيز تزويج الأطفال في سن التاسعة من عمرهم.
خمسة قرون مظلمة من الحكم العثماني صارت خفيفة في الميزان في مقابل لحظة تعرضت فيها الطفولة للاغتصاب برعاية القانون.
لقد ذهبت تلك السنوات التي انتظر فيها العراقيون لحظة الفرج هباء. فها هم قد وهبوا أصواتهم لمَن سلمهم لعبودية لا أظن أنها ستزول ما داموا قد استرخصوا كرامة أطفالهم.
طفولة العراقيات في خطر. لا بسبب الحروب ولا بسبب الكوارث ولا بسبب المجاعات ولا بسبب الأمراض ولكن بسبب القانون وهو أغرب سبب يتعرض المرء من خلاله لانتهاك كرامته ومصادرة حريته وتغييب شعوره بإنسانيته وضياع مستقبله.
في ظل قانون الأحوال المدنية (القانون الجعفري) الذي اقره البرلمان العراقي مؤخرا لن يكون للعراقيات مستقبل.
ستكون الكآبة هي عنوان ذلك المستقبل.
أمهات المستقبل هن في الحقيقة عبارة عن دمى مغتصبة.
لا يمكنني تخيل مجتمع يحترم نفسه في إمكانه أن يقدم على جريمة من ذلك النوع. ليس في الأمر شيء من الشجاعة. مَن يجرؤ على انتهاك الطفولة بتلك الطريقة الهمجية هو شخص خُلق من مادة فاسدة وهو مجرم أتاح له المجتمع أن يصنع من الجريمة قاعدة.
يتحدثون عن الشريعة. شريعتهم هي شريعة فاقدة الشرعية فهي لا ترى ولا تسمع ولا تتكلم ولا تلمس ولا تشم. إنها عبارة عن صنم جاهلي لم يلمسه هواء الحضارة ولم تعصف به العاطفة البشرية. وإلا ما جرأوا على أن يعرضوا أطفالنا، فلذات أكبادنا لذلك الذل الرخيص.
كان أولى بالعراقيين كلهم بغض النظر عن مذاهبهم وأعراقهم أن يتظاهروا، أن يعلنوا العصيان، أن يقيموا مجالس العزاء في الساحات العامة، أن يتوقفوا عن العيش دفاعا عن أطفالهم.
أمن أجل أن تنتهك كرامة أطفالهم ضُللوا بالقبول بالاحتلال الأميركي ونظام المحاصصة الطائفية وسياسات العزل التي أطلقت حروبا كان داعش عنوانها الوهمي؟
محيت الموصل ومدن كثيرة وصار ملايين العراقيين عبارة عن نازحين يسكنون الخيام وسرقت مليارات الدولارات من أجل أن يرضى العراقيون بقانون يقر زواج القاصرات.
ألا بؤس ما أنتهيتم إليه أيها العراقيون.
كنتم تحلمون بالحرية فإذا بكم تسلمون أطفالكم عبيدا في مزاد طائفي. أبهذا تفاخرون الأمم ديمقراطيا؟ نوابكم الذين صوتوا على قانون تزويج الأطفال هم عبارة عن سفاحين يستحقون أن يسجنوا بتهمة الإرهاب بعد أن مارسوه في حق الطفولة التي هدرت كرامتها.
لقد فعلتم بأنفسكم ما لم تفعله أميركا المحتلة ولا شريكتها إيران ولا صنيعتها تنظيم داعش الإرهابي بكم.
القانون الذي يبيح زواج القاصرات هو من صنعكم إذ سكتم. أنتم المجرمون. وهو ما لن يغفره التاريخ لكم.
إن إذلال الطفولة بما انطوى عليه القانون الجديد هو الصفحة التي يطوى من خلالها تاريخ شعب اسمه الشعب العراقي، كان يوما ما أمل أمة كاملة.
أليس من حق العالم اليوم وبعد صدور هذا القانون الذي يشكل لطخة عار في الضمير الإنساني أن ينظر بازدراء إلى ذلك الشعب الذي ارتضى أن تنتهك حقوق أطفاله في عصر حقوق الإنسان.
ما لا يقبله العقل أن يحتفظ العراق بعضويته في المنظمات الدولية المعنية بشؤون الطفولة وحقوقها بعد خروجه السافر على القوانين التي تحمي الطفولة من كل مظاهر العبث المجاني.
ما الذي تنتظره تلك المنظمات بعد أن تم تشريع بيع الأطفال في العراق؟
إن صمتت تلك المنظمات على تلك الجريمة المدوية فإنها لا تستحق الاحترام فهي من خلال ذلك الصمت انما تخون مبادئها وتقف وراء قتلة الطفولة.