علي محمود خضيّر
تشهدُ البصرة، في الأيّام القليلة المقبلة، تجربة تطوعية اجتماعية تحمل في طياتها بعداً رمزياً عالياً يستحق أكثر من وقفة تأمل. نخبة خيّرة من أبناء المدينة تطوعوا وبجهود شخصيّة بحتة يدفعها الهم الوطني والشعور بالمسؤولية والوعي الخلّاق لحملة تشجير وزراعة واسعة أطلقوا عليها اسم “بصرتنا تستاهل شجرة” والهدف منها تشجير المدينة بآلاف الشتلات وتشجيع وتثقيف المواطن البصري على زراعة شجرة واحدة على الأقل في بيته أو قرب محل عمله أو في الساحات العامة لإنقاذ المدينة من واقعها البيئي المتدهور والذي ظل غائباً عن المعالجات الحكومية الجادة مواجهين بامكانياتهم البسيطة مشاكل التصحر وارتفاع درجات الحرارة وتلوث الهواء الذي سجل معدلات غير
مسبوقة.
الحملة التي سجلت لها صفحةً على موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك) سرعان ما لاقت تفاعلاً شعبياً واسعاً من أهالي البصرة الذين عبروا عن دعمهم وسعادتهم بالفكرة وسجلوا أسماءهم وتهيأوا للمشاركة العملية في فعاليات الحملة متناقلين أخبارها ومساهمين في التثقيف لها بالكتابة والترويج وتصميم الملصقات الدعائية ونشرها على صفحاتهم في خطوة تحرج كثيراً حكومة البصرة المحلية الغارقة في مشاكلها وصمتها.
تشير الأبحاث والدراسات المتخصصة الى أن السنوات القليلة المقبلة ستشهد ارتفاعاً مستمراً في درجات الحرارة جرّاء تزايد التصحر وتقلص المساحات الخضر وارتفاع النشاط الصناعي في المنطقة خاصة الصناعات البترولية، ومن نافل القول الإشارة لما تعرضت له البلاد عامة من مضار جسيمة جراء اهمال الزراعة والتشجير وزحف المباني والبيوت السكنية على الأراضي الزراعية وهي عوامل حوّلت العراق الى أرض شبه جرداء خسرت في السنوات العشر الماضية أكثر من 65 بالمئة من مساحتها الخضراء.
خسارة الأرض المزروعة تعني خسارة الحياة بشكل عام، فالبيئة الصالحة لعيش صحي تحتاج الى توازن في مكونات الجو، اهمالنا لثقافة الزراعة كلفنا الكثير فيما مضى منها: نوعية هواء رديئة مسببة للامراض الفتاكة، درجات حرارة قاتلة للبشر والحيوان والنبات، تصحر وانهيار في الأراضي الصالحة للزراعة فضلاً عن مشاكل العواصف الترابية المستمرة طوال العام وتصاعد الغبار الكثيف في الجو على مدار الساعة وما يسببه من مخاطر صحية خطيرة.
كلّ هذه المشاكل ظلت بعيدة عن عناية الحكومات الاتحادية المتعاقبة ومعالجاتها الفعّالة، فالزراعة تأتي دائماً في آخر القائمة، هذا إن ذكرت فيها أصلاً.
هذه الحملة والتي تثير في النفس الفخر، تحتاج إلى اسناد حكومي جاد، على الحكومة تنفيذ مشاريع الاحزمة الخضر حول المدن والتي اهملت بسبب عدم الاستقرار السياسي وضعف الإدارة المالية الزراعية وينبغي وضع خطط مركزية تعمل على ثورة كبيرة في مجال التشجيع على الزراعة ودعم وتشجيع المواطنين المتعاونين ومحاسبة المتجاوز على الأشجار والحدائق سواء كان جهة حكومية أم مواطنين لتسترجع بلاد السواد شيئاً من ماضيها المشرق بذكريات بساتين النخل والورود. لنساهم جميعاً في هذه الفرصة النادرة، البصرة تستأهل شجرة. العراق يستأهل شجرة.