يزخر المجتمع المصري بكثيرٍ من التفاصيل والتجارب وقصص النجاح المُلهمة، بعضها بدأ أساساً من مجرد فكرة بسيطة في الشارع، حتى صارت بعد ذلك مشروعاً كبيراً يروي أصحابه فيما بعد قصة كفاحهم ونجاحهم. على خطى أولئك العصاميين يسير الكثير من الشباب المصري مدفوعاً برغبة في عدم الاستسلام لشبح البطالة، والسعي نحو حلمهم.
خطوات صعبة، وقد تبدو أكثر صعوبة بالنسبة للفتيات، لكنّ “بطلات مصريات” استطعن تحدي تلك النظرة، وبدأن حلمهن الخاص بخطوات بسيطة عبر عرض منتجاتهن متجولات في الشارع وعلى المقاهي.
وفي الوقت الذي بزغ فيه شباب متجولون بالشوارع لبيع بعض المنتجات، كان لافتاً مشاركة فتيات أيضاً، تحدين نظرات “الاستغراب” المجتمعية، فحظين باحترامٍ وافر وتشجيع، معظمهن يبعن أشغالهن اليدوية، بداية من “الإكسسوارات والتحف” وحتى الأكلات الخفيفة. ولا يخفي بعضهن تعرضهن لمضايقات يتعاملن معها على طريقتهن الخاصة.
إكسسوارات الشارع
إسراء سلطان (24 عاماً) تخرجت من كلية التربية الفنيّة بالقاهرة، وبدأت منذ سنوات دراستها تطبيق ما كانت تتعلمه من فنون في أشغال يدوية وتعرضها للبيع بأحد “الكافيهات” بجوار كليتها، حتى بدأت -بعد تخرجها- مشروعها الخاص، في تصنيع “إكسسوارات يدوية” بخامات ومنتجات بسيطة تتناسب وإمكاناتها.
تقول إسراء لموقع “سكاي نيوز عربية” إنها لجأت إلى تسويق أشغالها اليدوية في الشارع بشكل مباشر منذ أن كانت طالبة بالكلية في محيط كليتها فقط، وبعد التخرج حاولت أن تعتمد على مواقع التواصل لكنها لم تكن تصل للجمهور المستهدف بشكل كبير، كما لم تتوافر لديها الإمكانات الكافية للإعلان عن منتجاتها، وبالتالي وجدت في التسويق بالشارع ضالتها، واستطاعت الوصول للجمهور المستهدف بشكل مباشر.
تعرضت إسراء إلى خيبات أمل متعددة في بداية عملها في الأشغال اليدوية، ومحاولات استغلال لموهبتها أو تثبيط لهمتها، ما جعلها تتخبط بشكل كبير، علاوة على قلة خبرتها في معرفة تفضيلات الجمهور المستهدف، وعليه قررت الاحتكاك المباشر بالجمهور المستهدف من خلال النزول لشوارع مختلفة، وبدأت من منطقة الحسين وزينب خاتون (بيت أثري قديم يقع خلف الجامع الأزهر بالقاهرة)، حتى عرفت عن قرب تفضيلات الناس، الذين تقول إنهم تقبلوا نزولها بشكل طبيعي ولم تتعرض لمضايقات سوى تعليقات يُبدي أصحابها تعجبهم من تجولها بالشارع لعرض أعمالها، فضلاً عن تعرضها لمواقف محرجة بالبدايات.
تحمل إسراء صندوقاً خشبياً تعرض عليه مجموعة من “الإكسسوارات” التي تصنعها بأشكال مختلفة، وتتجول بالشارع يوم الخميس في حي المعادي (جنوب القاهرة) والجمعة بمنطقة مصر الجديد (شرق القاهرة).
وتقول: “لم تكن خطوة سهلة أبداً، أهلي كانوا يرفضون أيضاً، ويتعجبون كيف لبنت مثلي أن تنزل وسط الناس لتبيع.. لكنني عزمت على اتخاذ تلك الخطوة وبدأت في تنفيذها لأحتك بالناس وأكتسب خبرة حياتية وعملية، واستطعت الاستفادة من تعليقاتهم المختلفة، لا سيما وأن الإمكانات لا تسمح لي بافتتاح ستور خاص بي أو المشاركة في البازارات المختلفة”.
ومع انخراط الكثيرات في أعمال مختلفة، غير عابئات بأي قيود مجتمعية، تُظهر الأرقام الرسمية في مصر تراجع نسب البطالة في صفوف الفتيات، وذلك على رغم جائحة كورونا وتداعياتها الشديدة. وطبقاً للبيانات الرسمية فإن نسبة البطالة بلغت في الربع الثالث من العام الجاري في صفوف الإناث 15.2 بالمئة، وذلك مقارنة بـ 16.2 بالمئة بالربع الثاني من العام ذاته.
حلوى الشارع
داليا مجدي (26 سنة) من منطقة عين شمس بالقاهرة، حاصلة على بكالوريوس خدمة اجتماعية، اقتحمت عالم البيع في الشارع، ولكن على طريقتها و”ستايلها” الخاص، منذ شهرين فقط، لتستثمر موهبتها الخاصة في صناعة وطهي الحلوى.
تقول داليا في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية” إن الناس في الشارع في البداية قابلوا تجربتها بنوعٍ من الاستغراب، والبعض توقع أنها ليست جادة، بينما مع توالي أيام عملها وحرصها على الجدية في العمل ومع جودة ما تقدمه من حلوى، صار يُنظر إليها بمزيد من الاحترام والتشجيع، على رغم بعض المضايقات التي تتعرض لها من آن لآخر، لكنها تستطيع مواجهتها.
تقف داليا في منطقة الكوربة بحي مصر الجديدة (شرق القاهرة)، حاملة “آيس بوكس” وطاولة عليها مُنتجاتها من الحلوى “الكب كيك، والكنافة وغيرهما”. وتحرص على أن تكون ذات مظهر جذاب، فاهتمت بالتفاصيل التي تصنع من خلالها هوية مشروعها، بداية من اسم المشروع الذي وضعته على قبعات ملونة ترتديها أثناء العمل، وحتى الاهتمام بتفاصيل جودة الحلوى المقدمة ونظافتها، حتى جذبت قاعدة كبيرة من الزبائن لها.
وتشير داليا إلى أن فكرة انخراطها في مثل ذلك العمل جاءت بتشجيع من صديقاتها وأهلها، بعد أن أعجبوا بما تقدمه من حلوى، سواء لناحية شكلها أو طعمها المميز، حتى اتخذت قرار النزول إلى الشارع وبيع الحلوى مباشرة. وتردف: “حرصت على أن يكون شكلي مميزاً ومختلفاً عن أي بائعين بالشارع”.
لكنّها في الوقت ذاته توضح أنها تعتمد بشكل كبير على التسويق لمشروعها عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومن خلال صديقاتها، وكذا عبر التجربة المباشرة من خلال زبائن الشارع الذين يحرصون على وضع تعليقات إيجابية على عملها عبر مواقع التواصل ويرشحونها لآخرين.
تجارب تتحدي صاحباتها الظروف، ويثبتن من خلالها براعة المرأة المصرية وقدرتها على العمل وصناعة ذاتها، تتزامن وتجارب ملهمة عديدة أخرى يزخر بها الشارع المصري.