مايكل نايتس, ديفيد بولوك, و بلال وهاب
“في 29 تموز/يوليو، خاطب ديفيد بولوك ومايكل نايتس منتدى سياسي في معهد واشنطن. وبولوك هو زميل “كوفمان” في المعهد ومدير “منتدى فكرة”. ونايتس هو زميل “ليفر” في المعهد، وكان قد عمل في جميع محافظات العراق وأمضى بعض الوقت ملحقاً بقوات الأمن في البلاد. وقد أدار النقاش بلال وهاب، زميل “سوريف” في المعهد، ومواطن من كردستان العراق”.
ديفيد بولوك
أظهر الاستفتاء الذي أُجري في «إقليم كردستان العراق» – في تجربة مباشرة أولى حصلت في 25 أيلول/سبتمبر 2017 – أنّ الأكراد يسعون إلى الاستقلال وإلى إقامة دولة تتمتع بحكم ذاتي لأسباب معنوية وعملية على حد سواء. ويستقي هذا المسعى جذوره أيضاً من أحداث تاريخية ووعود لم تفِ بها الحكومة العراقية.
من الناحية المعنوية، تستند حجج الأكراد إلى ثلاثة أسس: (1) الحق في تقرير المصير، (2) تاريخ من القمع، شمل إبادة جماعية على يد حكومات عراقية متعاقبة، و(3) واقع أنه على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية أقام أكراد العراق منطقةً مستقرة ومسالمة وديمقراطية نسبياً ومتسامحة لا تطرح تهديداً على الدول المجاورة. وبالفعل، خلال السنوات القليلة الماضية، كان «إقليم كردستان العراق» واحةً من الاستقرار وسط أعمال العنف، حيث واجهت العراق وسوريا ودولاً أخرى في المنطقة حروباً وإرهاباً. كما شكّل «إقليم كردستان» ملاذاً لنحو مليوني لاجئ – معظمهم من العرب وليس من الأكراد – ومن جهتهم أثبت المقاتلون الأكراد أنهم خصم شرس في المعركة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية».
ومن وجهة نظر أربيل، ترتبط الحجة العملية بعدم كفاية اتفاق الحكم الذاتي المبرم مع بغداد خلال السنوات الخمس عشرة الماضية. وبعبارة أوسع، لا تريد كردستان، بفضل استقرارها وفعاليتها في محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية»، أن يتمّ اعتبارها من المسلّمات والتقليل من شأنها. وعلى وجه الخصوص، يتمحور استياء الأكراد حول تصوّرهم بأنه لا يتمّ تقاسم الإيرادات النفطية بشكل عادل، والحاجة إلى استفتاء موعود حول كركوك وأراضٍ أخرى يطالب بها «إقليم كردستان»، إلى جانب الدعم غير الكافي للقوات المسلحة الكردية – “البيشمركة” – على شكل أموال وتدريب وأسلحة.
وهناك سبب آخر للاستفتاء، كان قد أعرب عنه رئيس «حكومة إقليم كردستان» مسعود بارزاني ومستشاروه، ينطوي على تنامي الخلاف العرقي بين الأكراد والعرب، لا سيما في وقت يهيمن فيه العرب الشيعة على الحكومة في بغداد. ويؤكد قادة كردستان أيضاً أن النفوذ الإيراني الكبير أساساً في العراق آخذ في الازدياد، وهي ديناميكية قد تعقّد التعاون بين بغداد وأربيل بشكل أكبر، والأسوأ من ذلك، قد تعرّض الأكراد للقمع مرة أخرى.
ومن الواضح أن قادة «إقليم كردستان» تصرفوا الآن انطلاقاً من خوفهم من ألا تساهم ترتيبات الحكم الذاتي، بما أنها لم تتحقق بعد، سوى في تأزيم الوضع في المستقبل. كما أنهم شعروا، انطلاقاً من اعتقادهم بأنه تتمّ تقوية القوات المسلحة العراقية، بأن تأثيرهم على قضية كركوك قد يضعف، مما يعزّز احتمال حصول مواجهة عسكرية مستقبلية مع بغداد حول الأراضي المتنازع عليها. وبطبيعة الحال، تقدّم الحكومة العراقية حججاً مضادة لهذه الادعاءات، ولكنها للأسف ترفض اليوم التفاوض بشأن خلافاتها مع «حكومة إقليم كردستان».
وإذا استؤنفت هذه المفاوضات في نهاية المطاف، كما يجب أن يحصل، يقول زعماء «حكومة الإقليم» بصورة غير علنية إنها قد تشمل حدوداً معيّنة بين العراق وكردستان، بما فيها تلك حول كركوك. وحتى قبل ذلك، فإن كردستان مستعدة لبدء حوار مع بغداد حول تسويات محتملة بشأن أمن الحدود وضبط المطار. وأخيراً – من المهم أن يؤخذ هنا في عين الاعتبار التداعيات الإقليمية وحدود الأراضي – إن الاستفتاء لا ينطبق سوى على «إقليم كردستان العراق»، وليس على السكان الأكراد في سوريا أو تركيا أو إيران.
ومع ذلك، فمن وجهة نظر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لم يكن الاستفتاء مُرحّباً به نظراً إلى الروابط القريبة على نحو آخر بين تركيا و«حكومة إقليم كردستان» والمسألة المعقدة للعلاقات المتوترة بين أردوغان والشعب الكردي في تركيا. أما إيران فتعارض بشدة أكبر الخطوات التي تتخذها كردستان تجاه الاستقلال، وتخشى من فقدان نفوذها هناك واحتمال نشوء مخافر عسكرية أمريكية أمامية جديدة على حدودها. كما ادّعى الزعماء الأتراك والإيرانيون أن يداً إسرائيلية تعمل في كردستان، حيث “نقلت” وسائل الإعلام التركية والإيرانية رفع أعلام إسرائيلية في أربيل. غير أنه خلال أسبوع كامل أمضاه المتحدث هناك، لم يُشاهِد أي علم من هذا القبيل – إنما ممارسة منظمة وسلمية للإرادة السياسة المحلية.
مايكل نايتس
يُعزى توقيت الاستفتاء جزئياً إلى الرغبة في إقامته قبل أن يتحوّل التوازن العسكري لصالح العراق الفدرالي، ولكن السياسة المحلية الكردية هي التي أمْلَت في الغالب الموعد المحدد له. ومن المقرر أن يجري «إقليم كردستان» انتخابات برلمانية في تشرين الثاني/نوفمبر 2017، وهناك أيضاً مسألة الرئاسة، حيث تجاوز رئيس «حكومة إقليم كردستان» مسعود بارزاني مدة ولايته القانونية في عام 2013. ورأت قيادة «حكومة الإقليم» ضرورة تحقيق إنجاز مهم قبل انتهاء رئاسة بارزاني.
والآن بعد أن تم إجراء الاستفتاء من قبل «حكومة إقليم كردستان»، لا بدّ من التركيز على دور تركيا في أي عقوبات تُفرض على الأكراد. وما كانت العقوبات لتكتسي أهميةً لو كانت إيران والعراق هما فقط من يفرضانها على الأكراد، غير أن دخول تركيا على الخط يجعل الوضع في غاية الخطورة بالنسبة للأكراد العراقيين. فقد سخّرت هذه الجهات جهودها وقدراتها كافة من خلال التحالف مع الرئيس أردوغان: إنّ دعمه هو الذي سمح للأكراد الذين لا يملكون منفذاً بحرياً بتصدير النفط وتجاهل قوانين بغداد.
إن خسارة أردوغان ستغيّر قواعد اللعبة بالنسبة لـ «حكومة إقليم كردستان»، إذ بإمكانه أن يوقف كافة إيرادات الحكومة من النفط والجمارك، مما يترك الإقليم مفلساً ومعزولاً عن العالم. ويشعر أردوغان باستياء كبير وبإهانة شديدة من أن «حكومة إقليم كردستان» لم تفاجئه بموعد الاستفتاء فحسب، بل أجرته رغم اعتراضاته القوية. يجب على الدبلوماسية الأمريكية والكردية أن تركز على تهدئة أردوغان، والحكومة العراقية أيضاً، من خلال التقليل من شأن مخاطر التحركات الكردية الأحادية الجانب تجاه الاستقلال أو ضم المناطق المتنازع عليها مثل كركوك.
ليس من مصلحة الولايات المتحدة أن ترى حليفاً لها، «حكومة إقليم كردستان»، يُهزم على يد إيران وتركيا في خطوة ستكون مشجعة لإيران، كما أنه ليس من مصلحة واشنطن أن ترى موسكو تهيمن على الوساطة في هذا الموضوع. يتعين على مبعوث أمريكي قيادة جهود الوساطة لضمان مشاركة الأكراد في الانتخابات العراقية المزمعة في عام 2018، الأمر الذي سيعزّز التحالف المعتدل المحتمل الذي قد يُعيد تعيين العبادي رئيساً للوزراء. ومن شأن المفاوضات التي تجري بين بغداد و«حكومة إقليم كردستان» بوساطة الولايات المتحدة أن تقلل أيضاً من فرص عودة تنظيم «الدولة الإسلامية» إلى الحدود المتنازع عليها بين الأراضي الاتحادية والكردية. فالأكراد هم الكيان الوحيد في العراق الذي واجه إيران، وخاصة حول هذا الاستفتاء. وقد لا تكون الولايات المتحدة راضية عن إجراء الاستفتاء، لكن على واشنطن أن تعترف بأن تمتُّع «إقليم كردستان» بدرجة من الحكم الذاتي سيشكل ملاذاً مفيداً إذا ما هيمنت إيران على العراق الاتحادي.