تعاملت موسكو مع طهران على أنها جزء من مشروعها الإستراتيجي لتحدي سيادة واشنطن
ملخص
كان تفسير ظريف أن روسيا لا تريد إيران منفتحة ولديها علاقات قوية بالغرب بل تقوم إستراتيجية موسكو على ألا تقترب طهران من الغرب ولكن من دون الدخول في حرب كبيرة مع القوى الغربية.
قال وزير الخارجية الإيراني السابق جواد ظريف في أكتوبر (تشرين الأول) الجاري إن روسيا لم تكن ترحب بإبرام خطة العمل الشاملة المشتركة بين طهران والغرب وحاولت عرقلتها، كما أن وزير الخارجية الروسي عارض رفع الحظر عن بيع الأسلحة عن إيران، وأن موسكو لديها خطان أحمران في ما يخص إيران، الأول ألا تكون لإيران علاقات هادئة وسلمية مع العالم، والثاني ألا تدخل إيران في صراع مباشر مع العالم.
كما أكد ظريف أن روسيا تعلم أنه إذا تم التوصل لاتفاق بين إيران والغرب فإن علاقات إيران مع العالم ستكون أكثر طبيعية، وهذا من شأنه الإضرار بمصالح روسيا، وأضاف أن روسيا هي من كشفت للعالم عن زيارة قاسم سليماني لروسيا من أجل حثها على التدخل لدعم بشار الأسد، وأن موسكو هي من سربت خبر إمداد إيران المسيرات لروسيا التي تستخدمها في حرب أوكرانيا مما دفع واشنطن والدول الأوروبية لاتخاذ مواقف أكثر تشدد وصرامة تجاه إيران.
وكان تفسير ظريف أن روسيا لا تريد إيران منفتحة ولديها علاقات قوية بالغرب بل تقوم إستراتيجية موسكو على ألا تقترب طهران من الغرب ولكن من دون الدخول في حرب كبيرة مع القوى الغربية.
ويمكن القول إنه حينما دخلت إيران في مفاوضات من أجل إحياء الاتفاق النووي خلال إدارة الرئيس السابق جو بايدن وبدأت تتواتر الأخبار عن الاقتراب من إبرام اتفاق، خرجت التقارير التي تحدثت عن إمداد إيران روسيا بالمسيرات مما أدى إلى توتر العلاقات بين إيران وواشنطن والترويكا الأوروبية، وأعلن منذئذ بايدن أن الملف النووي الإيراني ليس على أجندة الإدارة وقتها.
تعاملت موسكو مع إيران على أنها جزء من مشروعها الإستراتيجي لتحدي سيادة واشنطن، ومع ذلك ظل التساؤل هل تسعى روسيا إلى عرقلة إحياء الاتفاق النووي، ربما كانت الإجابة في تصريحات ظريف، لكن هذا لا يعني أن إيران ستتخلى عن شراكتها مع روسيا فقد ازدادت حاجة إيران إلى العلاقات مع روسيا والصين لا سيما بعد عودة العقوبات الأممية.
يعد موقف روسيا بالغ الأهمية، لأنه يظهر أن روسيا والصين، بصفتهما عضوين من الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ولن تشاركا في عملية تنفيذ مراقبة امتثال الدول لعقوبات مجلس الأمن ضد إيران، نظراً إلى عدم قانونية تفعيل آلية “سناب باك”، على حد تصريحهما، وتعتبر إيران أن هذا إجراء سيمنع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا من ممارسة رقابة صارمة على تنفيذ الدول الأخرى للعقوبات على إيران.
وبناءً على ذلك، من المتوقع ألا تحظى هذه العقوبات بشمول في التطبيق لدى الدول، وكما توقعت واشنطن والترويكا الأوروبية، تراهن إيران على إحداث فجوة بين الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن في شأن تطبيق العقوبات الأممية على إيران، بمعنى آخر، انقسام العالم إلى قسمين في شأن تطبيق عقوبات مجلس الأمن على إيران
في غضون ذلك، تروج إيران إلى كونها أحد محركات النظام العالمي الجديد، القائم على نظام متعدد الأطراف وتشكيل تحالفات إقليمية، الذي بدأ يتبلور في مراحل مختلفة، وبناءً على ذلك، تقيم طهران موقف الصين وروسيا من آلية الزناد وفرض عقوبات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في هذا الصدد، وأن من أهم نتائج معارضة الصين وروسيا لتفعيل آلية الزناد وتأكيدهما على رفض فرض عقوبات مجلس الأمن على إيران، هو تحدي هيكلية ومؤسسات النظام الأميركي من خلال الاستشهاد بعدم قانونية وعدم شرعية تفعيل آلية الزناد، وبذلك تثبت كل من الصين وروسيا الطبيعة السياسية للمؤسسات القائمة على النظام الأميركي، وعارضتا علناً وظائف هذه المؤسسات، أي إن موقفهما المعلن هو رفض تنفيذ القرارات الصادرة عن هذه المؤسسات الدولية التي تمثل النظام الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة، وتعتبر إيران أن لها مكانة في النظام الدولي الصاعد.
لذا وعلى رغم الموقف الروسي الذي عبر عنه ظريف والذي لا يعد جديداً من حيث وجود تيار داخل إيران يريد إعادة النظر في شأن الشراكة مع روسيا، لكن ربما يعبر ظريف عن أن هذا التيار يدفع بشدة نحو الانفتاح على الغرب وعدم التخلي عن المفاوضات كسبيل لدمج إيران في المجتمع الدولي، ولذا كان تصريح ظريف في شأن تناول الصواريخ الإيرانية في أي محادثات مقبلة أن الصواريخ بالفعل مهمة لكن الأهم هو حياة المواطنين ومن ثم ضرورة إظهار المرونة للتوصل إلى اتفاق يرفع العقوبات ويؤسس لعلاقات طبيعية بين إيران والغرب وليس نحو الشراكة مع روسيا كبديل.


