اقتصادي

بعد رفع الأجور… مصر تدعم مواطنيها ضريبياً في وجه “غول التّضخم”

موظف يحمل فئات نقدية من العملة المحلية المصرية

وسط جملة من التحديات المستمرة التي تواجه المنظومة الاقتصادية في مصر، تعكف الحكومة على التحرك في عدد من المسارات الداعمة للسيطرة على الآثار التضخمية المُرتفعة وانعكاسها السلبي على المواطن المصري خلال المرحلة الأخيرة.

وتعول مصر على التعديلات الضريبية للدخل كأحد المسارات الحيوية الداعمة لتوجهاتها نحو السيطرة على آثار معدلات التضخم المُرتفعة وتفاقم أسعار السلع والخدمات، في ظل أزمة اقتصادية مستمرة تواجهها مصر بداية من تداعيات أزمة كورونا وما تبعها من الحرب الروسية – الأوكرانية، وأخيراً التوترات في المنطقة.

وتعاني مصر عدداً من الأزمات، في مقدمتها نقص العملة الأجنبية في ضوء تأثر مواردها الأساسية المتمثلة في تراجعات تحويلات المصريين في الخارج، وإيرادات قناة السويس، الأمر الذي مثل ضغوطاً كبيرة على المالية العامة في مصر. 

ووفقًا لآخر الإحصائيات، تراجعت تحويلات المصريين في الخارج لتسجل 22 مليار دولار في 2023، مقارنة بـ31.6 مليار دولار في عام 2022.

وتشير التقديرات التي كشف عنها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أخيراً، خلال كلمته في مؤتمر ومعرض مصر الدولي السابع للطاقة، إلى تراجع إيرادات قناة السويس في الفترة الأخيرة بنسبة ما بين 40 إلى 50 في المئة جراء تلك التوترات.

مشروع ضريبي

وأخيراً وافقت لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب المصري على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون الضريبة على الدخل الصادر بالقانون الرقم 91 لسنة 2005، وذلك تفعيلاً لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، برفع حد الإعفاء الضريبي لجميع العاملين في الدولة بالحكومة والقطاعين العام والخاص. وتستهدف التعديلات تخفيف الأعباء عن المواطن، ضمن حزمة الحماية الاجتماعية لتطبيقها بداية من شهر آذار (مارس) المقبل.

وأكد خبراء واقتصاديون في تصريحات خاصة إلى “النهار العربي” أن توجهات الدولة نحو إجراء تعديلات على ضريبة الدخل تأتي في ضوء الآثار التضخمية القوية التي تعانيها شريحة كبيرة من المواطنين، وانعكست بدورها على ارتفاع مستويات أسعار السلع والخدمات.

وأشار الخبراء إلى أن ذلك التوجه يعد خطوة مرحلية تتطلب المزيد من دعم قدرة المواطن المصري على مواجهة تداعيات تلك الآثار في ضوء التحديات الاقتصادية المستمرة للمنظومة في مصر، والتي تتطلب فترة تصل إلى أشهر عدة للسيطرة على معدلات التضخم. 

وتضمنت تعديلات قانون الضريبة على الدخل المعتمدة أخيراً، رفع حد الإعفاء الضريبي وجدول الشرائح المختلفة. ويشمل القانون بنوداً تخص ضريبة الرواتب، ودخول الأنشطة التجارية والصناعية والعقارية، وأنشطة أخرى، وقد تمت زيادة الشريحة التي لا تستحق عنها ضريبة لتصبح 40 ألف جنيه (1295 دولاراً) سنوياً، بزيادة مقدارها 10 آلاف جنيه سنوياً عن الحد السابق، أو ما يعادل 30 في المئة. وذلك إلى جانب رفع حد الإعفاء الشخصي السنوي للممول، ليصبح 20 ألف جنيه (نحو 650 دولاراً) بدلاً من 15 ألف جنيه.

تخفيف الآثار التضخمية

ويتوقع مدير “مركز مصر للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية” الدكتور مصطفى أبو زيد، في تصريحات خاصة إلى “النهار العربي”، أن تساهم زيادة الشريحة التي لا تستحق عنها ضريبة بحسب القانون، في دعم المواطن المصري في مواجهة جملة التحديات التي تستمر على المشهد الاقتصادي.

وأضاف أن أول ملامح تأثيرها يتمثل في تخفيف الآثار التضخمية على المواطن، بالإضافة إلى دعم القوة الشرائية على خلفية الأزمة الاقتصادية الحالية في ضوء ارتفاع معدل التضخم ونقص السيولة الدولارية.

وأشار أبو زيد إلى أن السنوات الماضية، لاسيما العام السابق، شهدت تكثيف الدولة المصرية جهودها في سبيل تخفيف الأعباء التضخمية على المواطنين، تارة عبر رفع الأجور والمرتبات، وأخرى عبر رفع حد الإعفاء الضريبي، وهو ما يعكس تلك السياسة الاجتماعية المترسخة منذ تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2016.

متطلبات السيطرة على التضخم

ويرى الخبير الاقتصادي الدكتور مصطفى بدرة، في تصريحات خاصة إلى “النهار العربي”، أن تعديلات قانون الضريبة على الدخل عبر رفع حد الإعفاء الضريبي، تعتبر توجهاً للرئاسة نحو تحسين مستوى الدخل للمواطنين بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

وأضاف أن الدعم المباشر المتمثل في زيادة الحد الأدنى للأجور يعود بنسبة كبيرة جداً على موظفي الحكومة والقطاع العام، فيما يتم منح القطاع الخاص إعفاء ضريبياً.

وتوقع بدرة أن يكون لذلك الأمر مردود مالي إيجابي لتحسين دخل المواطنين في مواجهة التضخم الكبير الحالي وارتفاع مستوى الأسعار وتبني صورة إيجابية لزيادة الدعم النقدي للمواطنين.

واستعرض أبرز السبل الداعمة لتقليل معدلات التضخم الحالية، وذلك عبر زيادة المعروض من النقد الأجنبي، بما يدعم فرص توفير المنتجات، متوقعاً أن يتطلب ذلك أشهراً عدة.

أكبر حزمة للحماية الاجتماعية

وتعتزم مصر بدء تطبيق أكبر حزمة عاجلة للحماية الاجتماعية بقيمة 180 مليار جنيه (5.8 مليارات دولار) مع بداية شهر آذار المقبل، وفقاً لتوجيهات الرئيس المصري، وذلك في ضوء التحدّيات والأزمات التي يواجهها الاقتصاد المصري منذ تداعيات أزمة كورونا ومروراً بتأثير التحدّيات العالمية والأزمة الروسية – الأوكرانية، وأخيراً التأثير السلبي وتداعيات التوترات الجيوسياسية المحيطة واضطرابات سعر الصرف.

وتأتي الحزمة الاجتماعية الجديدة ضمن مجموعة من السياسات الهادفة لمواجهة تأثيرات التضخم، وانعكاس ذلك المباشر على تفاقم مستويات أسعار السلع والخدمات على المواطنين، وبالتوازي مع الاضطرابات التي يشهدها سعر صرف الدولار وتأثيره السلبي على العديد من الأنشطة، في مقدمتها نشاط التصدير.

ووفقاً لبيانات البنك المركزي المصري، قفزت أسعار المواد الغذائية 2.1% في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، من 0.2% في تشرين الثاني (نوفمبر) السابق، لكنها ارتفعت 60.5% على أساس سنوي، وسجّل التضخم الأساسي في البلاد 34.2% على أساس سنوي خلال الشهر نفسه.