بعد طرح رؤيتها… “حماس” تتطلّع إلى دور قيادي في غزّة بعد الحرب

1

عنصر في "كتائب القسّام".

سعت حركة “حماس” من خلال إصدارها وثيقتها الأخيرة التي ضمّنتها روايتها لهجوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر) غير المسبوق على إسرائيل، إلى مخاطبة العالم ومحاولة فرض نفسها جزءاً من أي معادلة مستقبلية لحكم الأراضي الفلسطينية. نشرت الوثيقة النادرة من نوعها في مجال التواصل الإعلامي الذي تقوم به “حماس” بثلاث لغات: الإنكليزية والعربية والفرنسية بعد أيّام. وكان واضحاً أنّها تتوجّه إلى الخارج وإلى المجتمع الدولي، أكثر منه إلى جمهورها. وقال مدير العلاقات الدولية في “حماس” باسم نعيم ردّاً على سؤال لوكالة “فرانس برس” عن أسباب نشر الوثيقة وتوقيتها، “هناك مساحات كثيرة حاول العدو بسبب غياب هذه الوثيقة أن يملأها بالدعاية الصهيونية والأكاذيب أو الروايات غير الصحيحة، في محاولة لمحاصرة الحركة وشيطنتها على المستوى السياسي الفلسطيني أو الإقليمي والدولي، فكان لا بدّ من إجابات واضحة في وثائق رسمية باسم الحركة”.
وأكّدت حركة “حماس” الأحد في وثيقتها المؤلفة من 18 صفحة أن هجوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر) كان “خطوة ضرورية واستجابة طبيعية” لمواجهة “الاحتلال الإسرائيلي”. وتحمل الوثيقة على غلافها صورة مظلّلة لمقاتل يستخدم طائرة شراعية آلية مثل تلك التي شاركت في هجوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر).
وأضافت الوثيقة التي جاءت بعنوان “هذه روايتنا.. لماذا طوفان الأقصى”، إن “معركة الشعب الفلسطيني مع الاحتلال والاستعمار لم تبدأ في 7 تشرين الأول 2023 وإنّما بدأت قبل ذلك منذ 105 أعوام من الاحتلال: 30 عاماً تحت الاستعمار البريطاني و75 عاماً من الاحتلال الصهيوني”. ونفت “حماس” في وثيقتها التقارير الإسرائيلية عن استهدافها مدنيّين خلال الهجوم، مؤكّدة أنّها هاجمت فقط مواقع عسكرية. إلّا أنّها تحدّثت عن احتمال حصول “خلل” وأمور “غير مقصودة”. 

 واتّهم مسؤولون ومواطنون إسرائيليون مقاتلي “حماس” بارتكاب فظاعات خلال الهجوم، بينها اعتداءات جنسية وقتل مدنيين عشوائياً وممارسات تعذيب. وقتل في هجوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 1140 شخصاُ في إسرائيل، وفق السلطات الإسرائيلية.
وتعهّدت إسرائيل بـ”القضاء” على “حماس”، وترد منذ ذلك الحين بقصف مدمّر على قطاع غزة أتبعته بهجوم بري، وقتل 25700 شخص في قطاع غزة حتى الآن، وفق وزارة الصحّة التابعة لـ”حماس”. وغالباً ما تتحدّث إسرائيل، وكذلك الولايات المتحدة عن مستقبل قطاع غزة بعد الحرب. وفي ما تشير إسرائيل إلى أنّه لن يكون لـ”حماس” أي دور في هذا المستقبل، متحدّثة غالباً عن سيطرة إسرائيلية، يصر الأميركيون على أن قطاع غزة يجب أن يكون بيد سلطة فلسطينية.
وقال نعيم لـ”فرانس برس” إن عمل الحركة على مستوى القيادة الوطنية “ومقاومة المشروع الصهيوني (…) يؤهّلها أن تكون في قيادة الشعب الفلسطيني”.
وأضاف “الحركة لا تطالب من خلال هذه الوثيقة أو غيرها التفرّد بقيادة الشعب الفلسطيني”، لكن “تدعو لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني وإعادة إصلاح منظّمة التحرير الفلسطينية بحيث تكون ممثّلة للجميع من ضمن هذه الحالة القيادية”.
وذكر أن هناك “أطرافاً دولية” و”قوى كبرى تتواصل مع حماس وقيادة حماس وتبحث معها هذه المعركة والمشروع الوطني الفلسطيني وكيف يمكن تحقيقه”. واعتبر أن هذا يعني “الاعتراف بحماس”، و”لا يمكن لأي جهّة تريد أن تصل إلى حل لهذا الصراع أن تتجاهل حركة حماس”.
“دعاية”وتحضّ وثيقة “حماس” على إجراء تحقيق دولي بما تقوم به إسرائيل في قطاع غزة، وتدعو على وجه التحديد الولايات المتحدة والدول الأوروبية إلى دعم هذا المسار أمام القضاء الدولي. ويصف خبير شؤون الشرق الأوسط في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية هيو لوفات الوثيقة بأنّها في إطار الـ”دعاية السياسية”.
ويعتبر المحلّل في منتدى الشرق الأوسط ومقره فيلادلفيا أيمن التميمي أن “حماس” تتطلّع من خلال مناشدة الرأي العام العالمي إلى دحض المقارنات، كتلك التي أجرتها إسرائيل، بينها وبين تنظيم “داعش”.
ويضيف “إنّهم يحاولون صدّ فكرة أنهم مثل الجماعات الجهادية على غرار تنظيمي القاعدة أو داعش”. ويردف أن “حماس تناشد النظام العالمي الأوسع بطريقة لا يفعلها الجهاديون. إنهم يميّزون أنفسهم بوضوح عن الجهاديين في الطريقة التي يتحدثون بها”. “حقيقة قاسية”ويرى الخبير الأمني في معهد “كينغز كولدج” في لندن أندرياس كريغ بعد قراءته وثيقة “حماس”، أن قوّة “حماس” تغيّرت في أعقاب 7 تشرين الأول (أكتوبر) وفي أكثر من 100 يوم حرب تلت الهجوم. ويقول “إذا كان المقياس هو السيطرة الاجتماعية والسياسية على غزة، فمن المؤكّد أن حماس قد فقدت ذلك”، ولكن “على المستوى الدولي، فقد تمكّنت إلى حد كبير من تعزيز موقفها”.

 وأضاف “أعتقد أن قضية الدولة الفلسطينية يمكن تحقيقها بسهولة أكبر بمزيد من الدعم… في الجنوب العالمي على أي حال، ولكن أيضاً في الغرب الليبرالي الشمالي”.
ورفعت جنوب أفريقيا قضية طارئة في محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل، معتبرة أنّها تنتهك اتّفاقية الأمم المتحدة بشأن الإبادة الجماعية. وانضمّت إليها المكسيك وتشيلي الأسبوع الماضي، ثم بنغلادش وبوليفيا وجزر القمر وجيبوتي في الدعوة إلى إجراء تحقيق دولي في النزاع.
وتدعو وثيقة “حماس”، “دول العالم الحرّ، ولاسيما الدول والشعوب التي كانت مستعمرة أو محتلّة (…) إلى أخذ موقف جاد وفعّال ضد ازدواجية المعايير التي تمارسها القوى الداعمة للاحتلال الإسرائيلي”. ويقول لوفات “الحقيقة الصعبة” للصراع الحالي تعني أن “أي مبادرة لتحقيق الاستقرار في غزة، وأي عودة لسلطة فلسطينية منشطة، من المرجّح أن تحظى بدرجة من القبول من حماس نفسها”، معتبراً في الوقت نفسه أن “حماس لم تُهزم ولن يتم القضاء عليها (…) في غزّة”.
ورغم ذلك، يعتبر الخبير المقيم في لندن أن رواية “حماس” لا تقدّم حجّة مقنعة لإعادة تأهيلها سياسياً. ويقول “إذا كانت الحركة تريد البدء في توضيح لماذا لا يجب معاملتها على أنها منبوذة كما تستحق بعد 7 تشرين الأول (أكتوبر)، فعليها أن تبدأ في توضيح رؤيتها السياسية واستراتيجيتها. وهذه الوثيقة لا تفي بالغرض”.

التعليقات معطلة.