وضعت المادة 55 من الدستور العراقي، والمادة ثالثاً/ 12 من النظام الداخلي لمجلس النواب، البرلمانيون في حيرة عند انتخاب رئيس المجلس لكونهما اشترطتا حصول المرشح على النصف زائد واحد من أصوات النواب ليصبح رئيساً للمجلس، حتى وإن حصل المرشح على أصوات أعلى من غيره من المرشحين في نتائج الاقتراع، إلا أنه ما لم يجتز حاجز الـ”50+1″ لا يعد فائزاً.
ولم تُبين المادتان ما هو الحلّ إذا أخفق مجلس النواب في انتخاب رئيس جديد له عند خلو المنصب لأي سبب كان، ما يعني تكرار جلسات التصويت مرات أخرى، وربما يتكرر فيها سيناريو “الفوضى والاشتباك بالأيدي” بين النواب كما حصل في جلسة أمس السبت، فما الذي يحسم معضلة اختيار رئيس البرلمان؟.
ورفع مجلس النواب العراقي، جلسة انتخاب رئيسه، مساء أمس السبت، إلى إشعار آخر، بعد أن أخفق في عقد جولة ثالثة “حاسمة” ترجيح كفة أحد المرشحين النائب سالم العيساوي عن حزب السيادة، ومحمود المشهداني المدعوم من حزب تقدم، إثر اندلاع مشادة كلامية وتضارب بالأيدي بين نواب من تقدم وزملاء من كتل أخرى، وطالب نواب تقدم بتعديل النظام الداخلي لمجلس النواب، قبل البدء بالتصويت، خشية فوز سالم العيساوي بالجولة الثالثة، وفقا لمصدر برلماني أبلغ وكالة شفق نيوز.
مسرحية معدة
وفي هذا السياق، يرى السياسي إبراهيم الدليمي، أن “ما جرى أمس في جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب العراقي هي مسرحية معدة قادها بعض النواب بعد أن كانت العملية تجري بحرفية من قبل رئيس مجلس النواب بالإنابة محسن المندلاوي ونائب رئيس مجلس النواب شاخوان عبدالله، حيث ضبطا ايقاع الجلسة، وانتهى الأمر إلى فوز سالم العيساوي بـ158 صوتاً مقابل 137 صوتاً للمشهداني”.
ويشير الدليمي خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى أن “نائب من تقدم يطمح بتبديل المادة 12 لكي يرشح نفسه وهو من قام بهذه المسرحية، وعلى المشهداني الاحتفاظ بما تبقى لديه من ماء وجهه والانسحاب ليكون سالم العيساوي هو المرشح الوحيد للقوى السنية، فالرئيس القادم هو العيساوي”.
وكان الأمين العام لحزب الجماهير الوطنية أحمد عبدالله الجبوري “أبو مازن”، وجّه في بيان يوم الأحد، انتقاداً لاذعاً إلى أعضاء مجلس النواب عن المكون السُني، فيما حمّلهم مسؤولية الاخفاق في انتخاب رئيس جديد للبرلمان العراقي، اتهمهم بتغليب “أطماعهم الخاصة على الصالح العام”.
كما وعلّق رئيس حزب السيادة خميس الخنجر في منشور على موقع “إكس – تويتر سابقاً”، على الموضوع نفسه قائلاً: قدم السيدات والسادة النواب في جلسة التصويت على منصب رئيس البرلمان أنموذجاً مثالياً للممارسة الديمقراطية والاحتكام إلى صندوق الاقتراع لمنح الثقة لأحد المرشحين.
وأضاف، أن لجوء البعض إلى افتعال الشِجار أثناء انعقاد الجلسة والاعتداء على أحد قادة الكتل وردة الفعل من قبل أحد النواب أساء إلى السلطة التشريعية والنظام، وقدموا أنموذجاً فوضوياً لا يليق بالعراق وشعبه.
استئثار للسلطة
من جهته، يرجع النائب المستقل، ياسين العيثاوي، هذا التنافس إلى أن “كل طرف يرى أن له الأحقية لشغل المنصب نتيجة للديمقراطية التوافقية التي سادت العملية السياسية منذ تأسيسها بعد عام 2003، فيما لا توجد قواعد واضحة أو أنظمة أو تعليمات سوى عرف سبق اشغال هذا المنصب أو ذاك، لذلك نشهد عملية تنافس واستئثار للسلطة وادعاء كل حزب أو قوة سياسية بأحقية شغل هذا المنصب”.
ويعرب العيثاوي خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، عن أمله بـ”حسم منصب رئيس البرلمان الشاغر منذ 6 أشهر خلال الأسبوع الجاري، باتفاق المكون السني للمضي بجلسة سلسة وعدم إثارة مشاكل تؤثر بالسلب على أداء السلطة التشريعة سواء على دورها الرقابي أو التشريعي وكذلك على الانسجام والوئام بين النواب”.
يشار إلى أن الإطار التنسيقي الذي يجمع القوى السياسية الشيعية، حذر اليوم الأحد، من تحول مجلس النواب العراقي إلى ساحة للخلافات والصراعات، داعياً محمود المشهداني للانسحاب لصالح المرشح لرئاسة المجلس سالم العيساوي.
وقال القيادي في الاطار حسن فدعم، في تصريح سابق لوكالة شفق نيوز، إنه “بعد جلسة انتخاب رئيس البرلمان، يوم أمس السبت، لم يعد أمام المشهداني إلا الانسحاب لصالح المرشح العيساوي، لأنه حتى لو أصبح رئيساً للبرلمان بطريقة الفرض والضغط والاجبار للنواب من قبل كتلهم فإن البرلمان لن يصبح إلا ساحة للخلافات والصراعات بما تبقى من عمره ولن يستطيع القيام بأي دور تشريعي أو رقابي مطلقاً”.
خرق قانوني
بدوره، يرى رئيس مركز الرفد للدراسات، عباس الجبوري، أن “تعطيل جلسة انتخاب رئيس البرلمان هو خرق قانوني، كما أن كل الاتفاقات التي تحصل في هذا الخصوص هي خارج المنطق والأعراف الدستورية، كما أن الخلاف هو شخصي بين الكتل السياسية وليس من أجل المصلحة الوطنية”.
ويضيف الجبوري لوكالة شفق نيوز، أن “أغلب الكتل السياسية أعلنت جمع 200 توقيعاً لمحمود المشهداني، لكن في داخل قاعة البرلمان لم يتم انتخابه، ما يشير إلى وجود خلل داخل المؤسسة التشريعية، ولإنهاء هذا الخلاف يجب تغليب المصلحة الوطنية على المصلحة الخاصة واختيار رئيس برلمان غير جدلي يتوافق عليه الجميع فق آليات دستورية وقانونية”.
وكان تحالف قوى الدولة، بزعامة عمار الحكيم، أكد يوم الأحد، عدم وجود نية لعقد جلسة قريبة لانتخاب رئيس مجلس النواب، واستمرار النائب الأول محسن المندولاي في منصب الرئاسة بالإنابة، بسبب الخلاف السني – السني.
وقال النائب عن التحالف علي نعمة، في تصريح سابق لوكالة شفق نيوز، إنه “لا توجد جلسة قريبة خلال هذا الأسبوع لانتخاب رئيس مجلس النواب، بسبب شدة الصراع والخلاف السني – السني، ولا يمكن عقد أي جلسة جديدة بعد أحداث جلسة الأمس، إلا بعد اتفاق وتوافق جديد ما بين الأطراف السياسية كافة”.
وأشار إلى أن “بقاء محسن المندلاوي في رئاسة مجلس النواب، سببه الصراع السني – السني، فهذا الصراع هو سبب بقاءه وليس هناك أي نية لبقائه من قبل أي طرف سياسي، ولا حتى هو نفسه يرغب بهذا المكان، لكن الصراع السني هو السبب واستمرار هذا الصراع يعني استمرار المندلاوي إلى نهاية الدورة البرلمانية”.
ما الحل؟
من جهته، يوضح الخبير القانوني، علي التميمي، أن “المادة 55 من الدستور والمادة ثالثاً/ 12 من النظام الداخلي للبرلمان رقم 1 لسنة 2022 لم تبين ماذا لو اخفق البرلمان في انتخاب رئيس جديد له في حالة الخلو أو في حالة الاستقالة أو أي من الأسباب الأخرى، وهذا يعني أن في حالة عدم انتخاب رئيس جديد للبرلمان سنكون أمام جلسات جديدة لحين حصول أحد المرشحين للمنصب على نصف العدد الكلي زائد واحد (166 صوتاً)”.
ويتابع التميمي حديثه لوكالة شفق نيوز، “كما أن الترشيح لن يُفتح من جديد كما قالت المحكمة الاتحادية في قرارها التفسيري 322 للمادة 55 من الدستور بإنه (لا يجوز فتح باب الترشيح من جديد)، إذاً الذي يحسم الموقف بفوز أحد المرشحين من عدمه هي التوافقات”.
ومساء يوم أمس السبت، عقد مجلس النواب العراقي جلسة مخصصة لانتخاب رئيس جديد له حضرها نحو 300 نائب، وفشل المجلس في انتخاب الرئيس بجولتها الأولى، ليضطر إلى إجراء جولة انتاخبية ثانية حصل فيها النائب سالم العيساوي عن تحالف السيادة بزعامة خميس الخنجر على 158 صوتاً، فيما حصل النائب محمود المشهداني على 137 صوتاً عن تحالف تقدم بزعامة رئيس مجلس النواب السابق محمد الحلبوسي، والنائب عامر عبد الجبار ثلاثة أصوات، بينما بلغت الأصوات الباطلة 13 صوتاً، وذهب البرلمان نحو جولة ثالثة، بحسب بيان من الدائرة الإعلامية لمجلس النواب ورد لوكالة شفق نيوز.
إلا أن الجولة الثالثة لم ترَ النور بسبب شجار بين النواب تطور إلى اشتباك بالأيدي، حيث وثقت هواتف النواب، مشادة كلامية وتشابك بالأيدي بين نواب من تقدم وزملاء من كتل أخرى على خلفية انتخاب رئيس للبرلمان.
ولم يختلف المشهد كثيراً عن جلسة 3 كانون الثاني 2024، المشاهد التي سربها النواب عن جلسة مساء يوم أمس السبت، من مشادات كلامية وتشابك والأيدي، شهدها وخبرها قبل خمسة أشهر، بسيناريو مكرر من قبل نواب حزب تقدم الذي يرأسه محمد الحلبوسي.