بعد 40 عاماً على الثورة، لا تزال إيران تلوح بقوة في أفق الشرق الأوسط

1

 

سايمون هندرسون

يمكن أن يتمحور الجزء الأكبر من الأخبار هذا الأسبوع حول إيران – في الماضي والحاضر والمستقبل. فقبل أربعين عاماً، كانت الثورة الإسلامية في أوجها. وهذا الأسبوع، سيُعقد اجتماع وزاري منظّم من قبل الولايات المتحدة في وارسو لمناقشة مسألة الشرق الأوسط. وسيهيمن موضوع إيران على جدول الأعمال إلى المدى الذي يمكن أن ينجح فيه وزير الخارجية مايك بومبيو بذلك.

ومن المَوْقع غير المرجح ربما في العاصمة البولندية، سيرغب بومبيو في تغيير مسار تاريخ الشرق الأوسط الذي شهد خلال السنوات الأخيرة بشكل خاص بروز إيران كقوة تهدد بشكل متزايد حلفاء أمريكا في المنطقة.

وهذا تحدّ كبير. فالتاريخ يدور عمّا جرى من أحداث. وناهيك عن المستقبل، فحتى محاولة حلّ ما يحدث الآن يمكن أن تكون مربكة للغاية. ونادراً ما تكون النتائج، خاصة في إيران، حتمية. أنا أتحدث انطلاقاً من تجربة وجودي في طهران قبل 40 عاماً، عندما كنتُ أعدّ تقارير لصالح “بي بي سي” و”فايننشال تايمز”.

وكان واضحاً أن المتغطرس محمد رضا بهلوي، ولكن ليس القاتل بقدر ما يُقال عنه، في مأزق كبير. وفي رأيي لم يكن من المحتّم أن يخسر السلطة بشكل كامل وأن يحل محله آية الله روح الله الخميني ومعه حكم الملالي. وكانت هناك قوى أخرى في هذا المزيج، ضمّت الجيش والقوميين القدامى واليساريين/الشيوعيين. بالإضافة إلى ذلك، إن إيران منقسمة جغرافياً بين عدة جماعات عرقية، وغالباً ما تفخر باستقلالها شبه التام عن طهران، لذا كان التفكك الوطني وارداً أيضاً.

وبالعودة إلى الوراء، حيث ساعدتني ذاكرتي من خلال قصاصات ما كتبته والصور التي التقطتها، تبرز عدة مواصفات ذات صلة باليوم، رغم أنها لم تكن واضحة للغاية في ذلك الوقت:

كانت الثورة حدثاً اجتماعياً بقدر ما كانت حدثاً سياسياً. وكان الناس الذين تظاهروا بمئات الآلاف في طهران يستمتعون بالتجربة في كثير من الأحيان، بدلاً من مجرد التعبير عن سخطهم. وحين سحب شاب سكيناً عليّ في مرحلة ما، كان ردّ الفعل الافتراضي للحشد المحيط هو كبح جماحه وتشجيعني على تقليل تواجدي.
بدا الجيش متردداً في قتل المتظاهرين، وربما كانت تلك نقطة ضعف كبيرة. لقد مات الناس فعلاً ولكني أتذكر أنني اختلطتُ بحشد من الناس، أوقفت القوات الإيرانية الخاصة مسيرته وأطلقت النار بشكل مستمر في الهواء لحوالي 30 دقيقة. وكان بإمكانها القضاء علينا لكنها لم تفعل.
حتى الأجانب الذين كانوا يتمتعون بخبرة كبيرة في الشؤون الإيرانية نتيجة عيشهم وعملهم هناك لسنوات لم يتمكنوا من وصف ما الذي كان يجري بدقة. ففي كانون الأول/ديسمبر 1978، أَجْرَيْتُ مقابلة مع رجل أمريكي بارز في قطاع النفط في البلاد في مكتبه في أهواز. وكان قد استلم لتوّه رسالة من مجهول تطلب منه مغادرة البلاد، ولكنه قال: “تباً، هذه الأشياء لا تخيفني”. وبعد أسبوع، توفي عندما نصب ثلاثة مسلحين كميناً لسيارته.
لم تكن الثورة الإيرانية عبارة فقط عن الإطاحة بالشاه وعودة الخميني من المنفى. فقد غلبت الفوضى على الأشهر القليلة الأولى، حيث تمّ أولاً استئصال الجماعات اليسارية ومن ثم الإسلاميين المعارضين من “مجاهدي خلق”، الذين يتواجد ما تبقى منهم في باريس حالياً. وكانت هناك تمرّدات في المحافظات، حيث تعرّض العرب في الجنوب الغربي للهجوم، ولم يُقدّم العراق الذي كان يحكمه صدام حسين في ذلك الحين أي مساعدة. وفي كردستان، أخذ المقاتلون الأذربيجانيون المحليون ثأرهم من كراهية دامت قرون. وقد رأيت ذات مرة أذربيجانيين يرمون جثة أحد الأكراد في النهر بينما كان الأولاد في القرية يرمون الحجارة على الجثة التي كانت تطفو في مجرى النهر.

لكن ما ساهم في تعزيز الثورة هو الاستيلاء على السفارة الأمريكية في طهران في تشرين الثاني/نوفمبر 1979. فقد تمّ تهميش من تبقى من معتدلين في الحكومة الجديدة، أو إرغامهم على الاستقالة، أو هروبهم أو حتى إعدامهم. ونظراً لتواجدي هناك، يمكنني أن أشهد على أن مأساة تلك الفترة قد تمّ توثيقها بشكل جيد في فيلم من بطولة بين أفليك بعنوان “أرغو” من عام 2012.

هل هناك حِكَم متراكمة يمكن تطبيقها على يومنا الحالي؟ لقد مالت الكُرة عموماً لصالح النظام الإسلامي خلال السنوات الأربعين الماضية. وقد يكون من الجيد التفكير أنه بسبب تدخل طهران في سوريا ولبنان والعراق واليمن، فإنها تقترب من مُقابل ثوري لامتداد امبريالي مفرط. وعلى نحو مماثل، لا بدّ من أن تكون العقوبات الاقتصادية خانقة، ولكن هل يلوم الشعب طهران على ما يعانيه من مشقات؟

قد يكون النظام الإسلامي مقبولاً، وليس شعبياً، فـ «الحرس الثوري» مستعد بالتأكيد للقيام بأعمال قتل من أجل الحفاظ على النظام في السلطة – وربما تكون معرفتنا وفهمنا للاتجاهات في البلاد ضعيفة على الأرجح.

وفي رأيي، يكمن الخطر الأكبر في نظرة المرشد الأعلى علي خامنئي لبرنامج إيران النووي باعتباره المرادف العصري للاستيلاء على السفارة الأمريكية. فهو سيضمن استمرارية النظام الإسلامي. وفي هذا السياق، كانت «خطة العمل الشاملة المشتركة» لعام 2015، المعروفة بالإتفاق النووي الإيراني، فترة فاصلة وليس توقفاً. إنه استنتاجي الشخصي، ولكن من الواضح هناك آخرون يشاطرون هذه النظرة.

ولذلك، يكتسي اجتماع وارسو أهمية أكثر مما قد يعتقده الكثيرون، ومن المؤكد تقريباً أنه لن يكون كافياً.

التعليقات معطلة.