المصدر: النهار العربي رستم محمود
مخيم الهول
كثّفت الحكومة المركزية العراقية اتصالاتها طوال الأسبوع الماضي، وقررت اتخاذ خطوات تجاه مخيم الهول الواقع ضمن الأراضي السورية، على بُعد عشرين كيلومتراً من منطقة سنجار شمال غرب العراق، بعد تحذير عدد من المسؤولين الدوليين والمحليين من خطورة ذلك المخيم الذي يحوي آلاف المقيمين من عائلات أفراد تنظيم “داعش”، إلى جانب الآلاف من اللاجئين العراقيين القاطنين في المخيم منذ عام 1991، عقب حرب الخليج الثانية. يضم المخيم راهناً 48 ألف مقيم “مدني”، أكثر من نصفهم من العراقيين، يشغلون قرابة 5 آلاف خيمة وبيت طيني ضمن المخيم، ويحصلون على مساعدات غذائية ومالية، إلى جانب الرعاية الصحية والتعليمية، من عدد من المنظمات الدولية التي تتابع أوضاع المخيم تحت إشراف أمني وعسكري من “قوات سوريا الديموقراطية”، المسيطرة على المنطقة، والمحكومة من قِبل الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا. خطر أمنييشكل المخيم خطراً أمنياً، لأن العديد من المعلومات والتحليلات المتطابقة تشير إلى إمكان تحوله هدفاً لخلايا “داعش”، سواء من المنتشرين في سوريا أو داخل المناطق القريبة في العراق، بغية “تحرير” عائلاتهم من المخيم، وتالياً عودة انتشار التنظيم انتشاراً واسع النطاق، وخصوصاً أن المخيم يضم أكثر من 8 آلاف مقيم أجنبي، في قاطع خاص بهم ضمن المخيم، قريب من قاطع المقيمين العراقيين، ويتداخل معه ويؤثر عليهم. تشكو الإدارة الذاتية من استراتيجية السلطات العراقية تجاه المخيم، و”عدم التعامل بمسؤولية” مع هذا الملف، حفاظاً على علاقاتها السياسية والاستراتيجية مع كل من سوريا وتركيا. فالسلطات العراقية لا تعترف بالإدارة الذاتية المشرفة على المخيم والمنطقة المحيطة بها، ولا تستعيد مواطنيها المقيمين داخله، وإن كانت تتدخل لاستعادة بعضهم بعد تدقيق شديد، فيما ترفض تقديم مساعدات مالية ولوجستية لتحسين ظروف المخيم وضبطه، كما أخبر مصدر أمني من الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا “النهار العربي”. وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين كان قد اجتمع مع السفيرة الأميركية في العراق ألينا رومانوسكي، وناقش معها خطوات بغداد لاسترجاع كل “رعاياه” من المخيم. اللقاء جاء عقب كلمة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أثناء حضوره مؤتمر التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب في العاصمة السعودية الرياض، والتي حدد فيها مخيم الهول كأخطر بقعة يمكن أن تشكل مصدراً عالمياً للإرهاب.
مستشارية الأمن الوطني العراقية أعلنت عن توجه بغداد لتنظيم اجتماع على مستوى وزراء الخارجية لعدد من الدول المتابعة للملف، بغية تحديد استراتيجية واضحة وعدد من الخطوات الاستراتيجية لتفكيكه تماماً، عبر سياق زمني محدد. أرقام تتزايد… ولا أفق للحلّووفق الأرقام التي تعلنها السلطات العراقية، فإن مجموع العراقيين الذين استُعيدوا من المخيم خلال السنوات الست الماضية، بلغ 1400 عائلة عراقية، ويبلغ مجموع أفرادها 5 آلاف، يشكلون أقل من 20 في المئة من العراقيين في المخيم. واستمرار سياسة استعادة العراقيين بحسب هذه الوتيرة يعني بقاء الملف مفتوحاً لثلاثين سنة مقبلة. الكاتبة والباحثة مايا أحمد شرحت في حديث لـ”النهار العربي” العوائق النفسية والقانونية التي تحول دون عودة عشرات الآلاف من العراقيين المقيمين في مخيم الهول إلى العراق، وقالت: “ثمة أربعة عوامل مركبة تخلق رعباً نفسياً لدى المقيمين حيال احتمال العودة إلى العراق. فمعظم المقيمين قديماً محكومون بقرارات قضائية، وتالياً العودة تعني فعلياً السجن. إلى جانب ذلك، فإنهم أناس لا يملكون شيئاً ولا حتى مهارات مهنية أو مستويات تعليمية مناسبة، وهم بقوا لسنوات يعتمدون على المساعدات الغذائية والرعاية الصحية التي تقدمها المنظمات الدولية”. أضافت الباحثة أحمد: “أما المقيمون الجدد، فيخشون من أشكال الثأر التي قد تطالهم في حال عودتهم إلى مناطق سكنهم الأصلية، خصوصاً في محافظات نينوى وصلاح الدين وديالى. فالكثير من عائلات الضحايا لا يمكن ضبطهم مطلقاً، وهو ما حدث كثيراً خلال السنوات الماضية. ومع تلك العوامل كلها، فإن الجهاز القضائي والأمني العراقي ليس محل ثقة من المقيمين، بل إنه محل اتهام بالطائفية وممارسة القمع ضدّ المعتقلين”.
لا يقتصر هذا الأمر على المقيمين العراقيين في المخيم فحسب، فالحكومة العراقية تعتبر مخيم الهول كله يمسّ بالأمن الوطني. وزارة الخارجية العراقية تطالب العديد من دول العالم باستعادة مواطنيها من مخيم الهول، بغية تفكيك المخيم تماماً. وتلافياً لأي صعوبات قد تواجه العائدين العراقيين من المخيم، فإن السلطات تهيّئ مخيم الجدعة للاجئين، ليقيموا فيه خلال مرحلة “إعادة التأهيل”. يشكل الأطفال العراقيون داخل المخيم أبرز مخاوف السلطات العراقية، ويُقدر عددهم بأكثر من 15 ألف طفل، لا يحصلون على التعليم إلا بالحد الأدنى، ويتعرضون لتأثيرات التنظيم السياسي السري لـ”داعش” داخل المخيم. الأمم المتحدة… تحذيرات ولكنتحذر الأمم المتحدة من أي حلول مستعجلة لمخيم الهول، وإن كانت تعتبره واحداً من أخطر الملفات على الأمن الوطني للعراق ولمختلف دول المنطقة، كما تقول ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت، معتبرة أن رؤية الأمم المتحدة في ما يخص مخيم الهول قائمة على اعتبار “المخيم جزءاً من إرث معقد لتنظيم داعش، وعلينا أن نتصدى له جميعاً… يجب نقل الأطفال من المخيم قبل أن يبلغوا ويتحولوا إلى إرهابيين، وجهود العراق في هذا الملف لم تكن سهلة، والحل الأمثل لغلقه هو تضافر جهود المجتمع الدولي للسيطرة على الوضع وحسمه”.