الاتهامات الموجّهة للعراق بأن أراضيه هي المنطلق الحقيقي للطائرات المسيّرة التي استخدمت في ضرب منشآت نفط سعودية، تبيّن مقدار الارتباط القسري للعراق بصراعات إيران وخصوماتها الإقليمية والدولية، بحيث يكون دائما مجبرا على تحمّل تبعات السياسات الإيرانية وتسديد فاتورتها على حساب أمنه واستقراره ومصلحة شعبه.
بغداد – تبذل القيادة السياسية العراقية جهودا كثيفة ومتسارعة لتجنيب العراق تبعات الهجمات التي استهدفت بطائرات مسيّرة منشآت نفطية سعودية وأحدثت إرباكا في سوق النفط العالمية وخلّفت حالة من الغضب الدولي، وذلك بعد أن وجدت حكومة بغداد نفسها بحكم ارتباطها الواسع بطهران في قلب العاصفة، إثر دفع عدّة دوائر بفرضية أن تكون الأراضي العراقية هي المنطلق الحقيقي لتلك الهجمات رغم تبنّيها من قبل جماعة الحوثي المتمرّدة في اليمن.
واستشعرت حكومة رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي وجود خطر حقيقي مع اتضاح معالم اتجاه دولي لتحميل العراق مسؤولية الهجمات.
وأكد عبدالمهدي خلال اتصال هاتفي مع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو عدم استخدام أراضي بلاده في الهجمات على المنشآت السعودية، حسبما ما ورد، الاثنين، في بيان رسمي.
وبرغم النفي العراقي الرسمي، إلاّ أن الإشارات الأميركية مستمرة في هذا السياق. وتناقلت وسائل إعلام عربية تصريحات منسوبة لضابط في المخابرات العراقية تشير إلى أن العملية التي نفذت ضد منشآت النفط السعودية انطلقت من العراق. لكنّ متحدثا باسم المخابرات العراقية نفى، الاثنين، إدلاء أي مسؤول في الجهاز بتصريح لأي جهة إعلامية بشأن هذه الهجمات.
ولم يحاول الحشد الشعبي، الذي تشير تقارير عربية وغربية إلى إمكانية تورطه في هذه الهجمات، أن يبرّئ ساحته منها، فيما قال مراقبون إن “مثل هذه الاتهامات قد تكون إيجابية لقادة الحشد، ويمكن استثمارها في كسب شعبية إضافية في أوساط المتشددين الشيعة”.
وفي ما يبدو أنّه استثمار فوري للحادثة من قبل القوى العراقية الموالية لإيران، أعادت شخصيات حزبية وبرلمانية الدفع بمطلب إخراج القوات الأميركية من العراق، حيث أعلن حسن سالم النائب عن كتلة صادقون النيابية المرتبطة بقيس الخزعلي قائد ميليشيا عصائب أهل الحق، الاثنين، عن جمع تواقيع أكثر من خمسين نائبا من أجل إدراج بند إخراج القوات الأجنبية على جدول أعمال مجلس النواب.
ويعكس إعلان النائب المعضلة التي تواجهها الحكومة العراقية كلّما اشتد الصراع بين إيران والولايات المتحدة حيث تجد نفسها عالقة بين ضغوط الطرفين اللذين ترتبط معهما بعلاقات واسعة، إذ لا تتردّد إيران في استخدام أذرعها العراقية لمواجهة بالوكالة مع الولايات المتحدة.
ووفقا لمصدر في مكتب عادل عبدالمهدي تحدث لـ“العرب”، فإن بغداد “تخشى أن تلقى النظرية التي تتحدث عن تورط العراق في الهجمات على منشآت النفط السعودية قبولا لدى الأطراف المعنية بهذه الأزمة”.
ويؤكد المصدر أن رئيس الوزراء أوضح لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، خلال اتصال هاتفي مساء الأحد، أن بغداد مستعدة لتحمل المسؤولية كاملة، في حال ثبت إطلاق الهجمات ضد السعودية من العراق، مشيرا إلى أن عبدالمهدي سأل الوزير الأميركي عن وجود أي معطيات ثابتة تدعم توجيه مثل هذه الاتهامات.
ميليشيات الحشد الشعبي ترفع مجددا ورقة إخراج القوات الأجنبية من الأراضي العراقية للضغط على بغداد وواشنطن
ونقل المكتب الإعلامي التابع لعبدالمهدي عن بومبيو تأكيده أن “المعلومات التي (لدى الجانب الأميركي) تؤكد بيان الحكومة العراقية في عدم استخدام أراضيها في تنفيذ هذا الهجوم”.
ويقول مراقب سياسي عراقي إنّ من الطبيعي أن لا يتعامل أحد بطريقة جادة مع البيان الذي أصدره رئيس الوزراء، فالأمر يتعلق بموضوع لا يملك عبدالمهدي السيطرة عليه أو العلم به. ذلك لأن المتهم هو الحشد الشعبي الذي لم ينف ما نسب إليه بالرغم من أن كل المعطيات تؤكد عدم استعداده لارتكاب حماقة من ذلك النوع قد تؤدي إلى تصفيته. فما لا تُقدم عليه الولايات في اليمن قد يكون من اليسير عليها القيام به في العراق. وهو ما يعني أنه إذا ما ثبت أن الطائرات المسيّرة جاءت من الشمال، فإن الولايات المتحدة لن تتأخر في توجيه ضربة إلى معسكرات ومخازن أسلحة الحشد.
ويلفت ذات المتحدّث إلى أن الولايات المتحدة على بيّنة من الأسلحة التي يملكها الحشد، إلاّ إذا كانت إيران قد أقامت قواعد سرية لذلك النوع من الطائرات في العراق ولم يتم اكتشافها. وذلك كله يظل رهين التحقيقات التي قد تثبت صحة التصريحات الحوثية إذا ما تأكد أن الطائرات انطلقت من اليمن.
وفي كل الأحوال، بحسب المراقب العراقي، فإن ما جرى سيؤدي إلى أن تضع الولايات المتحدة في حساباتها إمكانية أن تلجأ إيران في ظل ضعف حكومة عبدالمهدي إلى ضخ المزيد من الأسلحة إلى الحشد الشعبي كي يكون مستعدا لأي تطورات متوقعة. وهو ما يمكن أن يجرّ العراق بطريقة لا يريدها إلى أن يكون في الواجهة. وذلك ما لا يستطيع رئيس الوزراء تفاديه بتصريحاته. وليس من المستبعد أن توجه ضربة قاصمة في القريب العاجل إلى مخازن أسلحة إيرانية جديدة في العراق من غير الكشف عن هوية الفاعل. وقد تكون تلك الضربة هي الرد على القصف الذي تعرضت له المنشآت النفطية السعودية. وذلك يضعنا واقعيا أمام النظرية التي تبناها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتياهو القائمة على أساس ضرب إيران في كل مكان.
وتحتجّ أوساط سياسية عراقية ذات صلة بالميليشيات الشيعية المشكّلة للحشد على مسارعة مسؤولين في الولايات المتحدة إلى اتهام العراق بالضلوع في الهجمات على المنشآت النفطية السعودية بناء على معلومات الأقمار الصناعية بينما لم تقدم واشنطن أي مساعدة للحكومة العراقية عندما تعرضت مخازن سلاح تابعة للحشد إلى هجمات قيل إن إسرائيل تقف خلفها.
ويرى مراقبون أن عملية عسكرية أميركية ضد الحشد الشعبي داخل الأراضي العراقية، ستدفع بحكومة عبدالمهدي إلى الوقوف في صف إيران وتسهّل على طهران السيطرة على زمام الأمور بشكل كلّي في بغداد.
وقال سياسي عراقي لـ“العرب” إن “إيران قد تكون بالغت في توقّع عدم رغبة الولايات المتحدة في الدخول باشتباك واسع معها في هذا التوقيت، وهو ما دفع الحرس الثوري إلى تنفيذ هجوم كبير جدا ربما سيكون بالونة الاختبار الإيرانية الأخيرة قبل تلقي طهران ضربة في العراق أو اليمن”.