مروة هاشم
رأى الباحث عارف رفيق أن الحرب الطويلة في أفغانستان قد لا تنتهي أبداً، حيث أن الأوضاع السياسية في كابول ستتصاعد على الأرجح إلى مستويات لا يمكن السيطرة عليها، وربما يقود ذلك إلى تمزق قوى الأمن الأفغانية على أسس عرقية.
الرئيس الأفغاني غني لم يبذل أي جهد في الإصلاح السياسي الذي كان ملزماً بموجب اتفاق تقاسم السلطة مع الرئيس التنفيذي الأفغاني عبد الله عبد الله ويلفت رفيق، وهو رئيس شركة “فيزير” للاستشارات السياسية في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، إلى تقرير للأمم المتحدة العام الماضي وصف حرب أفغانستان بأنها “حالة من الجمود المتآكل” لم تتمكن فيها حركة طالبان من توسيع الأراضي الواقعة تحت سيطرتها فحسب، وإنما أيضاً تعزيز وجودها.
الجمود المتآكل
ولكن رفيق يشير في تقرير بمجلة “ناشونال إنترست” الأمريكية، إلى أن التطورات الأخيرة، بما في ذلك الهجوم الوحشي لداعش على هيئة إنقاذ الطفولة الخيرية في جلال أباد، تدعو إلى إعادة تقييم الصراع في أفغانستان، إذ أن ذلك “الجمود المتآكل” بات يتحول إلى صراع أشد ضراوة وأكثر تعقيداً وربما يصل سريعاً إلى ما يشبه الحرب الأهلية الأفغانية التي اندلعت من قبل في التسعينيات، أو حتى الحرب الأهلية المستعصية الحالية في سوريا، بسبب غياب الإستراتيجية الشاملة والتصعيد العسكري من جميع الأطراف.
ويوضح رفيق أنه بالنسبة إلى أفغانستان، تبنت إدارة ترامب الأهداف المتواضعة لإدارة أوباما السابفة والتي تتمثل في القضاء على التهديدات الجهادية العابرة للحدود وإضعاف طالبان من أجل الجلوس إلى طاولة المفاوضات، بالتوسع في استخدام القوة العسكرية المفرطة وزيادة عدد القوات، إلى جانب ممارسة مختلف أشكال الضغط السياسي على باكستان التي يوجد بها معظم قيادات طالبان الأفغانية.
أهداف واشنطن
وتعتبر بعض الجهات الإقليمية الفاعلة أن توسيع الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان يخدم أهداف أخرى لواشنطن، بسبب إشارة ترامب إلى ترسانة الأسلحة النووية الباكستانية في خطابه الإستراتيجي لجنوب آسيا في أغسطس(آب) الماضي، فضلاً عن انتقاد اثنين من الوزراء الأمريكيين مبادرة “الحزام والطريق” الصينية والسياسة الأمريكية الأكثر حزماً إزاء إيران.
ويقول رفيق: “على فرض أن أهداف واشنطن في أفغانستان قاصرة بالفعل على تدمير القاعدة وداعش ومعاقبة طالبان ليكون السلام هو الخيار الأفضل، فإن الحقيقة المروعة أن إدارة ترامب تمنح نفسها فرصة ثانية في أفغانستان لا تمتلكها فعلاً، خاصةً لأن الإستراتيجية العسكرية الأولى للولايات المتحدة جعلت الأمور تتحول إلى الأسوأ وتفاقمت الأوضاع وعجزت الولايات المتحدة عن حلها”.
داعش أكثر نفوذاً من طالبان
ويعتبر رفيق أن الولايات المتحدة تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية عن العنف المستمر في أفغانستان، برفض مقترحات السلام التي قدمتها طالبان في السنوات التالية للغزو الأمريكي، ودعمت إدارة أوباما ميليشيات مناهضة لحركة طالبان أكثر وحشيه منها، وانتهجت عنفاً أكبر ضد المدنيين.
ويلفت رفيق إلى إخفاق القوات الأفغانية في الحفاظ على المناطق التي تحررها طالبان، مثل مقاطعة هلمند، وقد أعلن الرئيس الأفغاني أشرف غني أخيراً أن جيش بلاده سينهار في غضون ستة أشهر، بلا مساعدة مالية ولوجستية من الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه تستمر حركة طالبان في الانتشار في مناطق أخرى بالبلاد، ويثبت تنظيم داعش الإرهابي قدرته على الصمود رغم قصف إدارة ترامب ملاذاته الآمنة بـ “أم القنابل” واستخدام طائرات بدون طيار للقضاء على قياداته.
ولم يزدهر داعش في أفغانستان فحسب بل أنه شكل شبكة هجومية في كابول، أكثر نفوذاً ربما من شبكة طالبان.
أزمة سياسية
ويرى تقرير “ناشونال إنترست” أن تفاقم العنف في أفغانستان يحدث في ظل أزمة سياسية يشهدها النظام السياسي للبلاد، فالرئيس الأفغاني غني لم يبذل أي جهد في الإصلاح السياسي الذي كان ملزماً بموجب اتفاق تقاسم السلطة مع الرئيس التنفيذي الأفغاني عبد الله عبد الله.
ويخوض غني معارك غير ضرورية لتوطيد سلطته، وأسفر ذلك عن زيادة الاستقطاب وتعميق حدة التوترات العرقية في البلاد، وثمه سجال هائل حول كيفية إدارة أفغانستان سواء في شكل فيدرالية أو حكومة مركزية قوية، وعلى الأرجح أن الانتخابات المقبلة ستعمق الانقسامات العرقية في البلاد التي ربما تشهد صراعا يتحدى سلامة وحدتها كبلد واحد.
ورغم أن استراتيجية واشنطن الحالية في أفغانستان لا ترتبط بجداول زمنية محددة وتسترشد بظروف ساحة المعركة، فإن خيارات ترامب في أفغانستان، مثل سلفه أوباما، تبدو مقيدة باعتبارات سياسية، حسب كاتب التقرير، ورغم أن التسوية التفاوضية للصراع في أفغانستان في إطار حل إقليمي لا تزال ممكنة، إلا أنها تبدو بعيدة المنال.
الحرب مستمرة
ويختم التقرير بأن مستقبل أفغانستان قاتم على الأرجح، وأن ساحات القتال والصراع لن تهدأ أبداً، وستظل التجارة غير الشرعية في المخدرات والتهريب، الدعامة الأساسية لاقتصاد هذا البلد.
وبحلول 2019 من المتوقع أن تتفاقم الأوضاع السياسية في كابول إلى مستويات لا يمكن السيطرة عليها.
وقد يقود ذلك إلى تمزق قوات الأمن الأفغانية على أسس عرقية، ولا شك أن التنظيمات الجهادية الإرهابية مثل القاعدة وداعش ستستغل هذه الفوضى، وبغض النظر عن اختيار الولايات المتحدة للبقاء أو المغادرة ، فإن الحرب في أفغانستان مستمرة.