جاءت الأزمة مع الولايات المتحدة لتتصدر أجندة الإسرائيليين خصوصاً الأمنيين والعسكريين
حاول كوهين (يمين) وبلينكن تهدئة التوتر بين واشنطن وتل أبيب وناقشا ضرورة الحفاظ على العلاقات الثنائية بين البلدين وأهميتها في مختلف المجالات (أ ب)
اعتبر الإسرائيليون أن ارتفاع حدة التوتر بين إسرائيل والولايات المتحدة وصل إلى “درجة الغليان”، مما يضع مستقبل العلاقة على المدى القريب في أزمة، وحاول وزيرا الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين والأميركي أنتوني بلينكن من خلال مكالمة هاتفية بينهما تهدئة التوتر وناقشا ضرورة الحفاظ على العلاقات الثنائية بين البلدين وأهميتها في مختلف المجالات، وجاء في بيان للخارجية الإسرائيلية أن الوزير كوهين أبلغ نظيره الأميركي بأن “الانقلاب القضائي” ضروري لتعزيز الديمقراطية الإسرائيلية وتحقيق التوازن بين السلطات.
وجاءت المحادثة بعد 10 أيام من التوتر بين تل أبيب وواشنطن، بدأت باستدعاء السفير الإسرائيلي مايك هرتسوغ بعد المصادقة على قانون فك الارتباط وتصاعدت بعد إقالة وزير الأمن يوآف غالانت وتصعيد حملة الاحتجاج، ليطلق الرئيس الأميركي جو بايدن كلمات قاسية لم يسبق منذ أعوام طويلة أن وجهها رئيس أميركي إلى رئيس حكومة إسرائيلي ليأتي رد بنيامين نتنياهو، وبعد ذلك تصريحات الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش التي أسهمت في تصعيد التوتر حتى وصل الوضع إلى إعلان بايدن عدم دعوة نتنياهو إلى زيارة واشنطن، فاحتدمت الأزمة أكثر ليعتبر سياسيون وأمنيون وصولها إلى “نقطة غليان”.
وجاءت محادثة كوهين وبلينكن كمحاولة لمنع تجاوز هذه النقطة لما يشكل الأمر من أخطار على العلاقات الأمنية والاقتصادية، بالتالي على الوضع الأمني في إسرائيل.
مسؤول سياسي مطلع على الوضع بين البلدين رأى أنه إضافة إلى غضب الأميركيين من التعديلات القضائية، كان هناك تطوران لافتان أيضاً، الأول إقالة غالانت، وبحسب الأميركيين، فإن “غالانت والمؤسسة الأمنية هما بالنسبة إلى واشنطن جزيرة استقرار”، والأمر الثاني إنشاء “الحرس الوطني” تحت سيطرة المتطرف بن غفير، إذ قال الأميركيون في أحاديث مغلقة إنه خطوة جنونية وخطرة.
وفي جانب آخر من التوتر الذي يعتقد بعضهم بأنه كان الخلفية لإشعال الوضع، تصريحات مسؤول سياسي كبير خلال زيارة نتنياهو إلى لندن إذ اتهم الإدارة الأميركية بتدخلها في الشؤون الداخلية لإسرائيل ومحاولة إزاحة نتنياهو من السلطة مرتين، ثم تغريدة يائير نجل نتنياهو، عندما قال إن الإدارة الأميركية تحاول إطاحة حكومة والده “على ما يبدو نيابة عن إيران”.
الشرق الاوسط
وفي وقت تمر إسرائيل بأزمات عدة وتتحدث الأجهزة الأمنية عن تحديات وأخطار كبيرة محدقة بها من مختلف الجبهات، جاءت الأزمة مع الولايات المتحدة لتتصدر أجندة الإسرائيليين، خصوصاً الأمنيين والعسكريين.
وحذر وزير الأمن السابق بيني غانتس من خطورة المساس بالعلاقات الاستراتيجية مع واشنطن، في وقت اعتبر الخبير العسكري يسرائيل هرئيل أن الاعتماد على الولايات المتحدة وعدم الاستقلالية الأمنية جعلا إسرائيل غير قادرة على تحقيق استقلالية قراراتها “ليس فقط لا يمكن لإسرائيل فعل ما هو مسموح لها، ولكن بالأساس ما هو محظور علينا إزاء إيران وإقامة علاقات مع دول عظمى أخرى مثل الصين، كل ذلك خاضع لإملاء ’صديقتنا الفضلى‘، الآن الرئيس الأميركي يتجند لكي يملي علينا كيفية تعيين القضاة لدينا”.
وأضاف “وصف إسرائيل بالعشيقة في الشرق الأوسط هو اليوم أكثر صحة من أي وقت مضى”، وصفة “العشيقة في الشرق الأوسط” جاءت من كتاب عزرا زوهر الذي كان يعمل خلال فترة خدمته في الجيش طبيباً وألّف كتاباً سماه “عشيقة في الشرق الأوسط”.
لا يوجد لنتنياهو خط أحمر
في الأثناء، تبذل جهود من قبل سياسيين وأمنيين سابقين من أحزاب اليسار والمركز في محاولة لمنع تدهور العلاقة إلى حد عدم إمكانية العودة لما كانت عليه، فالرئيس السابق لحزب “ميرتس” يوسي بيلين لم يرق له تدهور العلاقة مع واشنطن، وكغيره من السياسيين حاول عبر تواصله مع شخصيات أميركية معرفة دوافع هذا الموقف وسبل التوصل إلى تفاهمات وتهدئة، وبرأيه، جاء قرار بايدن بعدما فهم أن نتنياهو سيضحي بكل شيء بما في ذلك علاقاته مع واشنطن من أجل ائتلافه. وخلال لقائه بمسؤول أميركي مطلع على تطور الأوضاع، قال له الأخير “ما أخرج بايدن عن صوابه كان استعداد رئيس الحكومة تسليم إيتمار بن غفير ميليشيا خاصة به، فهو غاضب من تصريحات وزراء الصهيونية الدينية ولا يفهم الركض المجنون لإضعاف المحكمة. هو غاضب من خرق الوعد الإسرائيلي بعدم إسكان المستوطنات الأربع التي أخليت شمال الضفة الغربية، لكن في إخضاع الحرس الوطني لشخص عديم المسؤولية، يرى بايدن فقداناً للصواب وتعبيراً قاطعاً عن أن نتنياهو سيكون مستعداً لأن يتخذ كل قرار، مهما كان كي يبقي ائتلافه على حاله”.
تحدي بايدن خطر وجودي
وتدهور العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل أقلق كثيراً المسؤولين الإسرائيليين، خصوصاً في هذه الفترة إذ لا يكاد يمر يوم إلا ويهدد مسؤول، سواء كان سياسياً أو أمنياً أو عسكرياً، إيران و”حزب الله” وفي وقت لا تخلو التقارير العسكرية من التعبير عن القلق حيال عدم استعداد الجيش الإسرائيلي لتصعيد فوري ومواجهات سواء على جبهة واحدة أو أكثر.
واعتبر سياسيون تصريحات نتنياهو تجاه بايدن بمثابة تحد يشكل خطراً وجودياً على إسرائيل، وفي تقرير نشرته صحيفة “هآرتس”، جاء أن “إيران نووية تشكل خطراً كبيراً، لكن، كما تثبت العلاقات بين الهند وباكستان، يمكن أن نصل إلى ردع متبادل مستقر تماماً، لكن تدهور العلاقة مع الولايات المتحدة يعتبر خطراً وجودياً، لا يوجد مكان للأوهام، إسرائيل هي ذات سيادة رسمياً، لكن وجودياً هي تعتمد على المساعدات السياسية والأمنية الأميركية، لذلك لا يوجد أي خيار إلا أن نرى، في رد نتنياهو على بايدن أن اسرائيل هي “مستقلة”، نوعاً من الخطر الوجودي الحقيقي”.
أضاف التقرير “من غير الواضح ما إذا كان تملّك نتنياهو الوهم القاتل أو أنه يكذب على الجمهور ويضلله بشكل متعمد، أو أن الحديث يدور عن خليط ما من الأمرين، سنحتاج إلى متخصصين نفسيين لحل لغز التطور النفسي لرئيس الحكومة، رداً على الضغوط التي يتعرض لها”.
الخلاف يعزز إيران
وفي إسرائيل تناقضات حول توقعات تداعيات الخلاف بين واشنطن وتل أبيب، وحتى بين أمنيين وعسكريين، ويقدر مسؤولون في جهاز الأمن أنه على رغم الأزمة في جهاز الأمن، فلن يكون هناك أي تأثير في العلاقة الاستراتيجية بين البلدين في المدى القريب، غير أنهم يحذرون من أنه في المدى البعيد إذا ما اشتدت الأزمة، “فمن شأنها أن تمس هذه المجالات أيضاً”.
وهناك مسألة أخرى تقلق جهاز الأمن وهي الشكل الذي ترى به إيران و”حزب الله” وحركة “حماس” الأزمة الداخلية في تل أبيب، وبرأي مسؤولين أمنيين، فإن أعداء إسرائيل، خصوصاً “حزب الله” باتوا يجرؤون منذ الآن على تحركات عند الحدود مع إسرائيل التي تتسبب بارتفاع مستوى التوتر.
وحذر جهاز الأمن من أنه في حال “استمر التوتر مع الولايات المتحدة، فسيكون ذا تأثير استراتيجي – سياسي في دول إسلامية ترى في العلاقة مع إسرائيل طريقاً لتحسين العلاقات مع واشنطن”.