على مدار سنوات طويلة ماضية، جرى استبدال الكتابة اليدوية إلى حد كبير بالكتابة على لوحة المفاتيح. وقد توقّف عدد كبير من المدارس عن تدريس الكتابة بالحروف المتّصلة، كتلك التي تراها عيناك الآن. ومع ذلك، تُظهر الأبحاث وجود فوائد إدراكية للكتابة اليدوية لا تتكرر مع الأدوات الرقمية. إذ تُشرك الكتابة باليد مجموعة من الحواس معاً، ما ينشّط مناطق مختلفة في الدماغ ويعزّز القدرة على الاحتفاظ بالمعلومات والتعلّم والتركيز.
ووفق تقرير نشرته مجلة “ناشيونال جيوغرافيك” العلميّة، تتطلّب الكتابة اليدوية معالجة معرفية أعمق لأنها تربط بين الأصوات وتشكيلات الحروف، ما يساعد في تطوير مهارات القراءة والتهجئة لدى الأطفال. ويستفيد البالغون من ذلك أيضاً. وقد أظهرت الدراسات أن الكتابة باليد تعزّز القدرة على التعرّف على الحروف وتسميتها ونطقها بشكل أفضل مقارنة بالكتابة على لوحة المفاتيح.
استكمالاً، تدعم مجموعة من الأبحاث بما في ذلك تلك التي استخدمت تصوير الدماغ، تفوق الفوائد المعرفية للكتابة باليد. وأظهرت دراسة أودري فان دير مير التي أجريت على 36 طالباً جامعياً أن الكتابة باليد تنشّط عدداً أكبر من المراكز في الدماغ، وتُعزّز فيه أنواعاً أكثر من الموجات ترتبط بالتعلّم والذاكرة؛ بالمقارنة مع الكتابة على لوحة المفاتيح.
وبالتالي، يجادل باحثون لمصلحة الإبقاء على الكتابة اليدوية كجزء من المناهج الدراسية. وقد أعادت بعض الولايات في الولايات المتحدة إدراج الكتابة بالحروف المتّصلة في برامجها المدرسية لما لها من فوائد تعليمية.
أما بالنسبة للبالغين، فيُوصى بمواصلة ممارسة الكتابة اليدوية كوسيلة للحفاظ على نشاط الدماغ، لأنها تشبه الصيانة المستمرة للأوتوسترادات.
اتصال أعمق مع عقولنا وتفاعل حواسنا
طرحت “النهار” سؤال الكتابة اليدوية على مروى حرب، اختصاصية العلاج النفس-الحركي. وأوضحت حرب أن “الكتابة اليدوية تحفّز العمليات العصبية بشكل أعمق مقارنةً بالكتابة الرقمية. إذ تتطلب الكتابة اليدوية تنسيقاً دقيقاً بين الدماغ والحركة، ما يُنشّط الذاكرة الحركية والإدراك البصري، ويُعزّز تكوين الروابط العصبية. في المقابل، تعتمد الكتابة الرقمية على النقر، ما يقلّل من التفاعل العصبي.”.
وأضافت، “الكتابة اليدوية تُحسّن الذاكرة والانتباه. وقد أظهرت الدراسات أن من يكتبون ملاحظاتهم يدويّاً يسترجعون المعلومات بشكل أفضل مما يفعله من يدونها بواسطة الكتابة الرقميّة.”.
كذلك تؤكد الاختصاصية حرب أن الحركات المتناسقة والمعقّدة بين اليد والعين، والتجربة اللمسية الغنيّة، والتركيز العقلي المطلوب لرسم الحروف، تُنشط مناطق متعدّدة من الدماغ، ما يجعل الكتابة اليدوية أداة قوية لتعزيز التعلّم والتذكر. وتفتقد الكتابة على الأدوات الرقمية كجهاز “آيباد” تلك الأمور.
الكتابة اليدويّة كتمرين ومستقبل للمدارس
تؤكّد الاختصاصية حرب أن الكتابة اليدوية تعتبر “تمريناً” فعالاً لتحفيز العقل والحفاظ على صحته. فالعملية تتطلّب التفاعل بين الحواس مثل البصر واللمس، والحركات الدقيقة لليد والأصابع، والمعالجة العقلية التي تشمل التفكير والتركيز. هذا التكامل بين الأنظمة المختلفة في الجسم يشكل تمريناً مكثفاً للدماغ، حيث يتعيّن عليه معالجة المعلومات وتحويلها إلى حركات دقيقة على الورق.
واستكمالاً، ترى حرب أن التحول نحو الأجهزة الرقمية خطوة هامة في التعليم، إلا أن التحديات المرتبطة بفقدان فوائد الكتابة اليدوية تجعل من المهم إيجاد توازن بين الأدوات الرقمية والكتابة اليدوية. وكذلك توضح حرب أنه من الأفضل استخدام التكنولوجيا كأداة مكمّلة وليس كبديل كامل، للحفاظ على التفاعل الحركي العقلي والفوائد المرتبطة به.
وأخيراً، تؤكّد اللختصاصية حرب أن الكتابة اليدوية تعزّز الذاكرة طويلة المدى وتحفّز النشاط العصبي وتحسّن التركيز والتنظيم، ما يساعد على التفاعل مع الأفكار بشكل أعمق ويقلّل من التوتر. وفي عصر التكنولوجيا الرقميّة، تظل الكتابة باليد مهارة لا تقدّر بثمن، وتحمل فوائد لا يمكن للتكنولوجيا تعويضها.